تسمى جريمة شخص ما بحق أمن الوطن (الخيانة العظمى)، وفهمت لدى الناس بتعلقها بالتجسس لمعرفة نقاط قوة وضعف البلاد الأمنية العسكرية وتسريبها خلسة لصالح أعداء البلاد، والعمل على كل ما من شأنه تفكيك عناصر قوتها وتماسكها، وضرب ركائز قوة الدولة.. وبقي مفهوم الخيانة العظمى محصورًا في هذا الجانب، رغم أن الدولة دون سلامة أركانها كافة ستبقى ضعيفة، تنخرها خيانات من نوع آخر، حتى إذا خضعت لامتحان صعب نراها غير قادرة على الصمود والتحدي، وستنهار فورًا، ذلك أن البنية الأساسية للمجتمع ناشئة على رمال متحركة، حتى لو بدت صورة المجتمع مزخرفة مزينة بألوان وأشكال من الادعاءات الخافية عن قصد وترصد لواقع أمراض شخصية نفسية سائدة لدى الغالبية العظمى من المجتمع، لذا فإن الخيانة العظمى كظاهرة ليست ثمرة نبات طفيلي سام متسلق على شجرة المجتمع، وإنما نتاج طبيعي لنمو مرض (الخيانة الأعظم) الذي أصاب شجرة المجتمع، وجذر الثقافة باعتباره أعظم جذورها، وأكثرها تأثيرًا على حياتها وديمومتها، وبه يقاس مدى ارتباطها بالأرض، وتشكل (الوطن).
الخيانة الأعظم: طمع، نكران، جحد، جشع، كراهية، عدائية، ظلم، مؤامرة على اليتيم لأكل ماله، وسرقة حقه، حرمان الإنسان الأنثى من حقوقها الطبيعية التي منحها إياها الخالق بعدل ومساواة مع الإنسان الذكر، وجريمة يرتكبها الجاني باسم الدين، وينفذها مع سبق الاصرار والترصد وراء ستار كثيف نسجه من المصطلحات الدينية.
الخيانة الأعظم: اغتيال القيم الأخلاقية، وقلع براعمها لدى الناشئة، نسف المبادئ التي تقوم عليها العائلة، والاعتكاف عند صنم المال وتعبده، والتضحية بالعائلة وذبحها وتقطيعها تحت قدمي هذا الصنم، حتى صار الصراع على إرث أب أو جد، كصراع مفترسات (ضباع) على حمل وديع!.
ماذا نقول في شخص يقطع مع ابنته مذ كانت صغيرة، ويتحلل من مسؤوليته تجاهها وهو والدها الشرعي والقانوني، ولا يسمح لأبنائه من امرأة أخرى من التواصل معها ولو بالنظر، وكل هذا لأنها من طليقته التي لا غبار على أخلاقها وسلوكها أبداً؟! أليس ما يفعله قاطع الرحم هذا هو الخيانة الأعظم؟!
رأينا في وثائق الحياة الطبيعية كيف تستأثر الوحوش القوية بأهم مصدر للحياة (الماء) وتسعى لمنع مخلوقات أخرى من أخذ نصيبها رغم وفرته، لكن ماذا نسمي جريمة آدمي على ذمته امرأتان وعشر بنات وصبيان، لا يدرك معنى شرف العمل فيتقصد البطالة، ثم تراه يتعمد تفضيل نفسه على وليده الرضيع، فيتجرع كوب الماء الوحيد الموجود في بيت والدته، رغم حرصها على إعلامه أنه لا ماء في البيت إلا هذا الكوب المخصص لتذويب حليب الرضاعة له، ثم يلومها لأنها أبدت حرصها على رضيعها على حسابه! وهو إذا ضرب الصخر يمكنه استخراج الماء منه، والآن ..ألا يصنف هذا الفعل في ملف الخيانة الأعظم؟!.
أن يتحول آدمي إلى ظالم، بعد خداع الناس دام أكثر من ثلاثة عقود، وادعاء المظلومية، والظهور كمسكين، واستعطاف ذوي القربى، فيعض اليد التي امتدت إليه، ويقطع شرايين المحبة الاحترام الواجب بين رؤوس العائلة، فيعمل على قتل من أحسن إليه ببطء، لكن ليس بسلاح حاد أو ناري أو سم، وإنما بالقهر عبر إظهار أبشع صور التسلط والاستبداد والإرهاب والاستعانة بمن نسميهم (أولاد الحرام) وكل ذلك من أجل الاستيلاء على إرث بالاحتيال والتزوير ومخالفة القانون!... فالطمع، والنكران، والكراهية، والعدائية، والكفر بتعاليم السماء التي شددت على قداسة العائلة، فهذه كلها علامات تدلنا على مرتكب جريمة الخيانة الأعظم.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها