كلنا يتذكر سيئ الصيت والسمعة سفير الرئيس الأميركي السابق ترامب لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، هذا السفير الصهيوني العنصري الذي حمل بيده المطرقة وهدم أسوار وجدران القدس القديمة في محاولة لتهويد المدينة وتغيير معالمها الحضارية والثقافية العربية. فريدمان، الذي يعتبر أحد مهندسي اعلان ترامب المشؤوم أن القدس "عاصمة لإسرائيل" كان يعيش في مستوطنة بين غلاة اليمين الفاشي العنصري، وهو جزء من التيار الأكثر تطرفاً في تنفيذ المشروع الصهيوني والذي يهدف إلى سحق الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية تمامًا.
بالمقابل نسمع أقوالاً مختلفة تمامُا من السفير الأميركي الحالي توم نايدز، هو يجاهر بمعارضته للاستيطان، بما في ذلك الاستيطان في القدس الشرقية، ويقول إن الاستيطان "سياسة غبية"، وأكد على معارضته القوية للاستيطان في منطقة "E1" التي تقع شرق القدس، وهي المنطقة أن تم بناء مستوطنات فيها ستفصل جنوب الضفة عن شمالها وتنهي كلياً حل الدولتين. السفير نايدز أعلن ما هو أهم من ذلك فقد قال: "بالرغم انني اعمل من أجل تحسين اوضاع الفلسطينيين الاقتصادية إلا أنني أعلم أن الشعب الفلسطيني لا يمكن شراؤه وأنه بحاجة لحلول سياسية وتقرير المصير"، وهذا بالطبع نقيض ما كان يروج له أركان إدارة ترامب بالحل الاقتصادي.
السفير نايدز كان يتحدث في مؤتمر لحركة "السلام الآن" الإسرائيلية، وهذا أيضًا فرق جوهري بينه وبين سفير ترامب فريدمان الذي كان يتحدث لمؤتمرات المستوطنين واليمين المتطرف يغذي تطرفهم وعنصريتهم.
إن ما نسمعه من السفير نايدز من دون شك مواقف إيجابية، وهو كلام مطلوب ويقترب من القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وهو مهم للبدء بعملية سلمية حقيقية. أقوال نايدز هذه تمسح التاريخ الأسود لفريدمان، وهو كلام في غاية الأهمية، بأن القدس ستكون عاصمة للدولتين، وهو ما يشير إلى تراجع أميركي عن اعلان ترامب حول القدس، بالرغم أن هذا القول بحاجة للتوضيح أكبر بأن ما يقصده نايدز بعاصمة الدولة الفلسطينية هي القدس الشرقية المحتلة ومن ثم أن تكون القدس بكاملها مدينة مفتوحة أمام الجميع.
ما يحتاجه الشعب الفلسطيني هو تحويل أقوال السفير الأميركي مايدز إلى أفعال، وأن نرى وقفاً تامًا للاستيطان وتهويد القدس، أن نلمس وقفًا لسياسة العقاب الجماعي البشعة، التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي، ووقف هدم المنازل وسياسية الاعدامات الميدانية بلا أي مبرر. والخطوة المهمة الأخرى فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية دون أي تأخير ليلمس الشعب الفلسطيني التغيير في الموقف حيال القدس المحتلة.
خطوة أخرى، كبادرة حسن نية، هي الضغط على إسرائيل بالافراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى وهي الخطوة التي لم تلتزم حكومة نتنياهو بتنفيذها، وأدت إلى توقف المفاوضات في حينه، والافراج عن أموال المقاصة ووقف الابتزاز الإسرائيلي في المال الذي هو مال الشعب الفلسطيني.
نحن لا نريد تكرارًا لتجربة الكتاب الأبيض البريطاني عام 1939 عشية الحرب العالمية الثانية، والذي أرادت من خلاله بريطانيا تهدئة خواطر الفلسطينيين والعرب خلال الحرب، نحن نلاحظ إيجابية تصريحات السفير مايدز ولكن نريد أن تتحول إلى فعل، إلى تسوية تقود إلى حل الدولتين، إلى دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية. فوجود دولة فلسطينية هو المدخل الحقيقي لاستقرار الشرق الأوسط والحد من الأزمات التي تجتاحه.
إدارة الرئيس بايدن تقدم نفسها بأنها تختلف عن إدارة ترامب، وهي من دون شك تختلف، ولكن هذا الاختلاف، بما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يحتاج إلى أن يترجم أكثر إلى أفعال، وقد يكون هذا الوقت هو الوقت المناسب لتنهي فيه هذه الإدارة سياسة ازدواجية المعايير، وأن تثبت أن عهد هذه السياسة القذرة ة قد ولى ولكن وبالرغم من شكوكنا بأنها ستقدم على مثل هذه الخطوة، فاننا نريد أن تخيب إدارة بايدن هذه الشكوك وتقوم بما ينسجم مع القانون الدولي، لأن هذا القانون لا يجزأ ولا يستخدم في منطقة ويتم تجاهله في منطقة أخرى.
*المصدر: الحياة الجديدة*
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها