في يوم الثقافة الوطنية، الذي صادف امس الأحد الموافق الثالث عشر من آذار/ مارس من كل عام، الذي اختير بعناية متوافقا مع تاريخ ميلاد سيد الكلمة، وحارس الرؤية، ومجدد الشعر العربي الحديث، ورمز الثقافة الوطنية الشاعر الوطني والقومي والإنساني محمود درويش. ولم يأت الاختيار ليوم الثقافة تكريمًا وتعظيمًا ووفاء للمبدع ومتنبي العصر الحديث بالصدفة، ولا عن جهل، وإنما لأن ابن البروة توج بجدارة رمزًا للثقافة الوطنية، ليس لأنه أول المثقفين الفلسطينيين، ولا لأنه آخرهم، ولا لأن رموز وأعمدة الثقافة الوطنية تاريخيًا وحاضرًا لم يكونوا جديرين باللقب، ولكن لأن الراحل الفذ محمود درويش تفوق على ذاته، وعلى أقرانه في الصعود بمجد ومكانة الثقافة الوطنية عاليًا، وحلق كالنسر شامخًا بها ومعها، نهل من ينابيعها، وضخ فيها روحه كشلال دافق، حتى بلغت ذروة وقمة لم تعهدها قبل حضوره الطاغي.

غياب رائد الكلمة، وناظم القصيدة وعدد من الرواد المبدعين ترك فراغًا نسبيًا في المشهد الثقافي الفلسطيني، وفجوة واسعة بين ما كانت عليه سابقًا، وما هي عليه اليوم، حتى بدت الثقافة الوطنية كأنها تعيش لحظة من المراوحة، رغم ازدياد أعداد المثقفين والمبدعين في حقول الإنتاج المعرفي المختلفة في الوطن وداخل الداخل والشتات.

وهذا الاستنتاج لا يعني الانتقاص من مكانة وجمالية المنتج في الشعر والرواية والفن بصنوفه وأشكاله ومسمياته المختلفة، إلا أن معيار عظمة وتألق الثقافة لا يقاس بالكم، وزيادة عدد المبدعين، ولا بعدد الجوائز التي حصل عليها بعض المثقفين، وإنما في الكيف، في المضمون، في سطوع رموز جديدة من نساء ورجال الجبهة المتقدمة في المواجهة مع المستعمر ومع التكفيريين والتخوينيين والتخلف والعادات والتقاليد البالية، ليعيدوا الاعتبار لجبهة الثقافة التي تعتبر خط الدفاع الأهم عن الرواية الوطنية الفلسطينية.

وعلى ما يبدو أن الواقع الموضوعي المعقد والصعب محليًا وعربيًا وإقليميًا ودوليًا ترك ندوبا على المشهد الثقافي الفلسطيني والعربي، مع أن الثقافة دائمًا وأبدًا تتجلى في لحظات الجزر، والحصار واشتداد الأزمات، ووقت الشدائد والتراجع، ما يدفع المبدعين من مختلف مدارس وفرق الإنتاج المعرفي والفن بتلاوينه المتعددة للنهوض من بين أنقاض اللحظة القاتمة ليسنوا أقلامهم وأوتارهم وريشهم وألوانهم وعدساتهم ومسارحهم ليشكلوا المتراس والحاجز الحامي للهوية والشخصية والثقافة الوطنية، ويرفعوا من قيم الثقافة التنويرية، ويبعدوا شبح الاستعمار والظلامية والظلاميين من المشهد الوطني والقومي.

حتى معارض الكتاب في الوطن العربي تراجعت مكانتها وحضورها، ولم تعد كما كانت فيما مضى، وقد يكون أيضًا للتطورات السياسية العامة دور في التأثير عليها، وأيضًا اتساع وازدياد دور مواقع التواصل الاجتماعي، ووجود الانترنت ساهم إلى حد ما على أهمية المعارض. وهذا لسان العديد من الناشرين الفلسطينيين والعرب. ولو أخذت معرض بيروت للكتاب القائم الآن في العاصمة اللبنانية نموذجًا، وباعتراف بعض القائمين عليه، والمشاركين فيه، ستجد أنك أمام معرض لا يشبه معرض بيروت للكتاب المعتادة عليه الجماهير اللبنانية، فهناك غياب كبير لدور النشر العربية وللكتاب الإبداعي. رغم أن المعرض لم يعقد منذ ثلاث سنوات، ويسيطر عليه تقريبا لون ديني واحد.

لم يكن الربط بين حالة المراوحة في مكانة الثقافة الوطنية، وواقع معارض الكتاب في الوطن العربي ترفًا، أو إسقاطًا عفويًا، إنما لأؤكد أن التراجع في الحالة الفلسطينية ليس معزولاً عن واقع الحال العربي العام. لا سيما وأن هناك ترابطًا جدليًا بين الذات الوطنية والنحن القومية. ويخطئ من يفصل بينهما فصلاً مكانيًا.

ورغم هذا الواقع غير الإيجابي بشكل عام، إلا أن القناعة راسخة بأن الثقافة الوطنية والقومية ستتعافى من الهنات والإرباكات، والخروج أقوى في المستقبل المنظور، لتعيد للإنتاج المعرفي الإبداعي بمختلف مشاربه ومدارسه وفرقه ألقه وحضوره وجماليته، وسيزهر زهر اللوز وشقائق النعمان وربيع الثقافة الفلسطينية، كما يليق بفلسطين وثقافتها وهويتها الوطنية، وكل عام والثقافة الوطنية والقومية بخير. ولروح رمز ثقافتنا الوطنية ألف سلام.

ملاحظة سريعة: اسم الإعلامي الاخواني في مقال الأمس "سقوط اخواني غير مسبوق، هو محمد الملواني، وليس فيصل مشهور، وهو مقيم في تركيا، حصل لبس بسبب وجود اسم فيصل على شريط الفيديو. وجبت الملاحظة.

المصدر: الحياة الجديدة