- في الذكرى الـ٤٤ لعملية "كمال عدوان"، نُجدِّد العهد بأن نبقى المتمسكين بالثوابت الوطنية، المقبلين نحو كل ميدان نضالي، والأوفياء لوصية دلال بالترفع على كل خلاف وتغليب المصلحة الوطنية

 

أبناء شعبنا الفلسطيني الثائر في الوطن وفي الشتات، 

٤٤ عامًا تمرُّ على ذكرى عملية الشهيد "كمال عدوان" التي نفَّذتها مجموعة "دير ياسين" بقيادة الشهيدة البطلة دلال عام ١٩٧٨، ثأرًا لأرواح قادتنا الشهداء كمال عدوان وكمال ناصر ومحمد النجّار الذين اغتالهم الاحتلال الإسرائيلي الفاشي في بيروت عام ١٩٧٣. 

 

هذا التاريخُ الذي كُتِبَت حروفه من نور رسمَ أسمى لوحات الإيثار والفداء والتضحية التي خطَّها ١٣ فدائيًا من حركة "فتح" بدمائهم الطاهرة في السجّل النضالي لثورتنا، بعمليةٍ فدائيةٍ أحرجت العدو الإسرائيلي وأقضّت مضاجعَ قيادة أركانه. 

 

ففجر الحادي عشر من شهر آذار عام ١٩٧٨ وصلت المجموعة على رأسها الشهيدة البطلة دلال المغربي إلى شاطئ أرضنا الفلسطينية المحتلة بعد رحلة بحرية دامت نحو يومين من المناورة والتخفي انطلاقًا من الساحل اللبناني، ونجحت في الإنزال صباحًا بسِرّية إلى شاطئ المنطقة ما بين حيفا و"تل أبيب". 

 

العمليةُ التي خطّط لها القائد الشهيد خليل الوزير "أبو جهاد"، كانت تهدف إلى احتجاز أكبر عدد من الأسرى الصهاينة والتوجه إلى مقر الكنيست لمبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين والعرب في معتقلات الاحتلال، وكانت تعليمات مهندسها الوزير واضحةً بتحرير الأسرى وأن "يبكي مناحيم بيغن، كما أبكانا في دير ياسين"، والحفاظ على الشموخ في حال الوقوع في الأسر. 

 

وعملاً بذلك، اندفعت المجموعة فور وصولها (تل أبيب) إلى الشارع الرئيس حيث نجحت في الاستيلاء على حافلة ثم أخرى واحتجاز عشرات الركاب وجمعهم على متن إحداها بينهم عشرات الجنود الإسرائيليين. 

 

من حقيبتها استلَّت دلال عَلم فلسطين ورفعته ليرفرف عاليًا على الحافلة في مشهد وصفه الشاعر الراحل نزار قباني بقوله: "في باص.. أقاموا جمهوريتهم. أحد عشر رجلاً بقيادة امرأة اسمها دلال المغربي تمكّنوا من تأسيس فلسطين، بعدما رفض العالم أن يعترف لهم بحق تأسيسها.. جمهورية مستقلة كاملة السيادة لمدة 4 ساعات، إنه لا يهم أبدًا كم دامت هذه الجمهورية الفلسطينية. المهم أنها تأسست، وكانت أول رئيسة جمهورية لها اسمها دلال المغربي".

 

ارتبك الاحتلال الإسرائيلي أمام هذا الخرق الأمني الخطير، فتداعى بقيادته وعناصره لمحاولة تطويقه عبر نشر الحواجز، فيما وقع اشتباك ما بين المجموعة الفدائية وعناصر شرطة العدو الاسرائيلي المنشترين على الطريق، ما أدى إلى وقوع عشرات القتلى والجرحى في صفوف الصهاينة، الأمر الذي حذا بحكومة الاحتلال إلى مواجهة هذا الموقف الحرج وتكليف فرقة خاصة يقودها إيهود باراك بإيقاف الحافلة مهما بلغ الثمن وتصفية الفدائيين، حيث عمدت إلى استخدام الطائرات والدبابات وآلاف الجنود لحصار المجموعة وإمطارها بالرصاص.

 

وبعد مواجهة بطولية دامت ساعات طوال وما لحق من انفجارات بمتن الحافلة، عمد جنود الاحتلال إلى حصد أرواح الفدائيين بالرشاشات، لتُسفر العملية عن استشهاد ١١ فدائيًا بينهم دلال، وأسر اثنين مُصابين وهما خالد أبو أصبع ويحيى سكاف الذي بقي مصيره مجهولاً حتى اليوم، مقابل وقوع خسائر فادحة في صفوف العدو الذي خسر عشرات القتلى والجرحى من الجنود والمستوطنين، فيما احتجزت سلطات الاحتلال جثمان الشهيدة دلال المغربي في "مقابر الأرقام" لما لها من رمزية ثورية وفي محاولة لاستعادة ماء وجهها أمام مستوطنيها. 

 

الأخوات والإخوة،

 إنَّ عظمة هذه العملية لا تكمن فقط في سرد تفاصيلها التي برهنت عن إرادة وعزيمة وتخطيط مُحكَم وجهوزية عسكرية عالية، وفي شجاعة قائدة المجموعة دلال المغربي ورفاقها، وإنّما أيضًا فيما شكلته من وصمة عار على جبين المنظومة الأمنية للاحتلال، إذ أربكت كل أركانه وجعلته يتصرف بجنون عكسَ مدى همجيته وحقده وتطرفه. 

 

فقد شكّلت هذه العملية صدمةً كبيرةً لدى قيادة الاحتلال الإسرائيلي لعظمة الجرأة الفلسطينية التي وصلت التغول في عمق الاحتلال، وبالتحديد في منطقة عسكرية محصَّنة بشدة، وما يمثله هذا الأمر من خرق أمني جسيم لمنظومة تدعي امتلاكها أحد أهم أنظمة الاستخبارات، ولحجم الخسائر الفادحة التي مُنيَ بها على يد مجموعةٍ لا تتجاوز ١٣ فدائيًا ومدى جهوزية هذه المجموعة التي كانت قد تلقّت أشد التدريبات العسكرية وتمكّنت من مواصلة مواجهة دامت ساعات في وجه آليات وطائرات وقوات مدجّجة بأثقل السلاح. 

 

٤٤ عامًا مضت على عملية "كمال عدوان"، إحدى أكبر العمليات الفدائية الفتحاوية التي هزّت الكيان الصهيوني، وما زالت ذكراها متأجّجة في النفوس، نُحييها كلَّ عام تخليدًا لهذه العملية البطولية المُشبَعة بمعاني العزّة والكرامة والتضحية، وفخرًا باستبسال رموزها الأوفياء للعهد والقسم الذين شرّفوا مسيرة نضالنا، واعتزازًا بإرث ماجدتنا عروس يافا دلال المغربي التي برهنت عن جرأة وشجاعة وحس وطني عالٍ عزّ نظيرها، وأقامت أول جمهورية فلسطينية في الوطن، وسطّرت رمزًا للمرأة الفلسطينية شريكة الرجل في الكفاح الوطني الفلسطيني ونموذجًا وطنيًّا يبعث على الفخر والاعتزاز ويُلهم الأجيال الناشئة. 

 

أبناء شعبنا الفلسطيني الأبي في مكان، 

إنَّنا في ذكرى عملية "كمال عدوان"، نُجدِّد العهد باسم إعلام حركة "فتح" - إقليم لبنان بأن نبقى المتمسكين بالثوابت الوطنية، المقبلين نحو كل ميدان نضالي، والأوفياء لوصية دلال ورسالتها بالترفع على كل خلاف وتغليب المصلحة الوطنية على كل ما سواها والتوحُّد، وأن يكون هدفنا الأساس معركتنا ضد هذا العدو، لنحرر وطننا فلسطين، ونقيم دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. 

المجد للشهيدة دلال المغربي ورفاقها ولشهداء ثورتنا الفلسطينية

والحرية لأسرانا البواسل 

والشفاء للجرحى الميامين 

وإنها لثورةٌ حتّى النّصر والتحرير