الحرب الإسرائيلية المعلنة والسافرة على منظمات المجتمع المدني ليست جديدة، إنما هي امتداد لهجماتها المتوالية على المنظمات وممثليها في الأرض الفلسطينية المحتلة، لأنها تخضع حتى اللحظة لقانون الطوارئ لعام 1945، وكون حكومة نتنياهو الفاسد السابقة، دعمت قانون الطوارئ بإصدار قانون عام 2016 تحت مسمى "مكافحة الإرهاب"، وقانون عام 2017، الذي يسمح لها بترحيل الأجانب الداعمين لمقاطعة إسرائيل. لتشرع لأجهزة الأمن الاستعمارية التغول على مكونات المجتمع الفلسطيني ومنها المنظمات الأهلية، بالإضافة للمنظمات الأممية ذات الصلة وممثليها العاملين في الأراضي الفلسطينية.
ومن جرائمها الأخيرة مصادقة بيني غانتس، وزير الجيش على اتهام ست منظمات أهلية فلسطينية بـ"الإرهابية" يوم الجمعة الفائت الموافق 22 تشرين الأول / أكتوبر الحالي، وهي (مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين، ومؤسسة الحق، واتحاد لجان العمل الزراعي، واتحاد لجان المرأة العربية، ومركز بيسان للبحوث والإنماء) بالاعتماد على توصيات ما يسمى جمعية "مراقب الجمعيات" المعروفة بعدائها وتحريضها على مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني.
وكما ذكرت آنفا، يندرج سعار الحملة الصهيونية المتناقض مع ركائز ومبادئ القانون الدولي، والتشريعات الأممية وقانون حقوق الإنسان ضمن خطة منهجية معدة سلفاً لتفتيت وحدة النسيج المجتمعي الفلسطيني، وإقصاء، وإبعاد المنظمات الأهلية ذات المصداقية في دفاعها عن حقوق الإنسان، وعن مصالح الشعب العربي الفلسطيني، وتفضح وتعري جرائم حكومات دولة التطهير العرقي الإسرائيلية المتواصلة والمستهدفة المجتمع المدني. ولم تتوانَ تلك الحكومات عن الإقدام على سلسلة متوالية من الانتهاكات والاعتداءات المبرمجة ضد تلك المؤسسات، ومنها كما ذكر المرصد الأورو متوسطي منع الناشط في منظمة العفو الدولية "ليث أبو زياد" في أيلول / سبتمبر 2019 من مرافقة والدته إلى القدس لمستشفى المطلع لتلقي العلاج الكيماوي، متبجحاً بالأسباب الأمنية. وكذلك أيدت المحكمة العليا الإسرائيلية في تشرين الثاني / نوفمبر 2019 قرارًا تعسفيًا وجائرًا بترحيل مدير منظمة "هيومن رايتس ووتش" في الأراضي الفلسطينية المحتلة "عمر شاكر"، بالاستناد للقانون الذي شرعته عام 2017 وسمح لها بترحيل الأجانب، الذين يدعمون مقاطعة إسرائيل بسب أعمالها الوحشية ضد إباء الشعب الفلسطيني.
وكان المرصد الأورو متوسطي عبر في أيلول / سبتمبر الماضي (2021) عن استيائه وقلقه الشديد إزاء الانتهاكات الإسرائيلية تجاه منظمات حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة نتاج غياب أية تحركات أممية جادة لكبح والتصدي لتلك الانتهاكات الخطيرة، وبسبب عدم فرض العقوبات الدولية على الدولة المارقة والخارجة على القانون.
ولم تقتصر ردود الأفعال على المرصد الأورو متوسطي، وإنما شملت الأمم المتحدة، وبعض أعضاء الكونغرس الأميركي وعددًا من المنابر الدولية، فضلاً عن ردود أفعال داخل الحكومة الإسرائيلية نفسها ممثلة بحزب "ميرتس"، ومن خارجها عبرت القائمة المشتركة أيضًا عن إدانتها للجريمة الإسرائيلية، وكذا الحكومة الفلسطينية ممثلة برئيس الوزراء ووزارة الخارجية وفصائل العمل الوطني. ومع ذلك ما زالت ردود الأفعال دون المستوى المطلوب من حيث الرفض الصريح لانتهاكات الحكومة الإسرائيلية، وعدم ربط الاستنكار والشجب من هنا وهناك بفرض العقوبات الكفيلة بكي الوعي والمصالح الإسرائيلية الاستعمارية باستثناء المرصد الأورو متوسطي.
وللأسف بعض قوى الحكومة الإسرائيلية والائتلاف الحاكم، بقوا في حالة سكون وصمت معيب ومخز كحزب العمل وكتلة ما يسمى القائمة العربية الموحدة، وغيرها من قوى وأنصار السلام في إسرائيل، وخاصة تلك القوى التي تعتبر نفسها مناصرة ومؤيدة لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 وتتوافد بشكل مستمر لرام الله للقاء ممثلي لجنة التواصل لم تنبس ببنت شفة تجاه جرائم إسرائيل.
وارتباطًا بما تقدم مطلوب حراك فلسطيني وعربي وإسلامي وأممي وأنصار سلام إسرائيليين لمواجهة البلطجة الإسرائيلية، ووقف توحشها وانفلات عقالها الإجرامي، ولجم فاشيتها لحماية المجتمع الأهلي الفلسطيني عمومًا ومنظمات المجتمع المدني خصوصًا، والتي تعتبر العين الساهرة على جرائم إسرائيل الاستعمارية وقطعان مستعمريها. كما أن العالم بمختلف قواه وخاصة الإدارة الأميركية عليهم وقف جرائم إسرائيل، ليس ضد المنظمات الست الأهلية المرخصة والمشهود لها بنزاهتها ومصداقيتها الإنسانية والوطنية، وإنما ضد حقوق ومصالح الشعب العربي الفلسطيني كلها، وضرورة اتخاذ إجراءات عقابية لوقف السياسات الإجرامية الصهيونية. .
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها