لم تحطم مطرقة الشاب الجاهل الضائع رأس تمثال شبل الأسد في ميدان المنارة مركز مدينة رام الله وحسب، بل نراها قد حطمت زجاجًا أسودَ قاتما كرسته المفاهيم والتعاميم والتفوهات السياسية والاجتماعية وركام الغزوات والحملات المبرمجة على ثقافتنا الوطنية الإنسانية، المدمرة لمعاني وتطبيقات الوطن والمواطنة والوطنية. لم يحطم الشاب الضائع رمزا هاما لمدينة رام الله ومواطنيها وحسب، بل هتك بمطرقته حزام العفة الوطنية الهش الذي يتحصن به البعض، ويحاول حرف الأنظار عن هشاشته بشعارات واطروحات ومظاهرات ومناظراتكلامية، يطيرها عبر أثير فضائيات لا تعرف عن الوطنية والمواطنة سوى أنها سلعة خاضعة لمنطق وحرفة السمسرة والمقاولة، وقيمتها مرتبطة بمقياس العرض والطلب !! حطمت مطرقة هذا المضطرب درجات أدعياء ثقافة وحريات وسياسة وديمقراطية، وأسقطتهم على رؤوسهم وألسنتهم تشهد على جهلهم لأبسط قواعد وأخلاقيات ومفاهيم المواطنة، فالذي نطق أو التي نطقت: "من قال إننا لا نعبد أصنامًا" رغم محاولته أو محاولتها الظهور كرافض لفعل الجريمة، يعتبر في تقييمنا اخطر من فاعلها، فالمحطم قد يكون مندفعًا منفعلاً، أو مدفوعًا ومسيرًا، لكن هذا الذي يحسب نفسه مثقفًا – نقصد من الجنسين -ورياديا في المجتمع السياسي، ويحمل السلم بالعرض عند كل قضية متعلقة بالحريات، وترشح للانتخابات التشريعية ليكون نائبًا ممثلاً للشعب، لا يملك موقفًا إزاء جريمة بحق الثقافة الوطنية الإنسانية الفلسطينية سوى القول: "من قال إننا لا نعبد أصناما" ؟! المواطنة في خطر، يداهمها سيل تضليل لا يقل في شدة تدميره عما يفعله سيل الحمم البركانية، الذي يغير وجه الطبيعة والتضاريس، حيث تذوب وتنصهر وتنجرف وتنحرق المعالم الأجمل وتذوب، وفي أحسن الأحوال تصير كلقمة ممضوغة في جوف الصخور البركانية الضخمة. لتنفعنا الشعارات، والنظريات والأدبيات الحزبية والفصائلية، وكذلك منابر الأحزاب والجماعات الدينية، لن تنفعنا مهما سلحت خطابها بالحديد والنار، ومهما جملت ألفاظها، وأتقنت وأحسنت استخدام الفواصل والنقاط، والشدة والكسرة والوقوف لمنع الخطأ بالسكون، فنحن لن نفلح مادامت المواطنة خارج قواميسهم، وما دامت ليست منهجًا أصيلاً كاللغة والفيزياء والكيمياء والرياضيات في التربية والتعليم، فإيصال المواطن إلى مرحلة اعتناقه المواطنة كعقيدة فكرية وسلوكية، تعني تحصين المجتمع وتهيئة الشعب لمواجهات حاسمة مع حملات الغزو الثقافي بأنواعها على رأسها الصهيونية وتوائمها الجاهلية الداعشية الاخوانية العاملة على منعنا من تحويلها إلى عمود فقري لشخصيتن االوطنية الديمقراطية الحرة التقدمية التحررية. لن يعفي الضمير الوطني الحاضر أو الغائب أو الغافي أو الغارق في سبات عميق كل مواطن من المسؤولية غير المباشرة، كل من كان في المكان لحظة ارتكاب الفعلة ولم يتدخل لمنعها، فهذه الفعلة الشنيعة مست سمعته وسمعتنا المدنية والحضارية باعتباره وباعتبار كل منا فردا من ملايين الشعب الفلسطيني، واعتقد بالتقدير والثناء على المواطن الذي كان له، حيث كان له شرف محاولة مشاغلت الشاب المضطرب ومنعه من استكمال جريمته بحق تراث المدينة العريقة رام الله قبل وصول الشرطة، التي يجب أن تقرر بعد ما حدث منع وصول أي شخص إلى (حرم الأسود الحجرية) مهما كانت المناسبة، وعلينا الملاحظة هنا أن تسلق الأشخاص على تماثيل الأسود وسط الميدان ووقوفهم عليها أصبح امرا اعتياديا في كل المناسبات والمظاهرات، وهذا خطأ منح المجرم فرصة الوصول إلى التماثيل رغم وجود الشرطة في المكان !. ننتظر نتائج التحقيق والمحاكمة لندرك مستوى النخر والتآكل الحاصل في عظام جسدنا الوطني، فحرم هويتنا الوطنية الانسانية الحضارية إذا تركناه عرضة للغزو ولا نحميه كما تحمي الأسود عرائنها، فلن تقوم لنا قائمة، فالمواطنة منارة في حرم الأسود تستمد طاقتها من الشمس حتى تطلع من مغربها، أما تماثيل الأسود فإن الفنانين البارعين لقادرون على نحت ألف أسد لتحل مكان الأسد المكسور.
المواطنة.. منارة في حرم الأسود
20-10-2021
مشاهدة: 181
موفّق مطر
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها