أقل ما يقال عن عملية هروب الأسرى الفلسطينيين الستة الأبطال، إنها معجزة، وفي المقابل أقل ما يقال عن نجاح الأسرى الستة بالهروب بأنه مثل إخفاقًا وفشلاً كبيرًا للأجهزة الأمنية الإسرائيلية. وقبل الحديث عن المضامين الأعمق لما جرى، فإن هناك أبعادًا مهمة لعملية الهروب، أهمها البعد الذي له علاقة بالذكاء، فقد انتصر العقل الفلسطيني وتفوق على العقل الإسرائيلي المتبجح، أما البعد الأكثر أهمية، فله علاقة بحرب الإرادات، فقد انتصرت الإرادة الفلسطينية بوضوح على الإرادة الإسرائيلية، أكثر من ثمانية شهور من الصبر والعمل المضني والإصرار على تحقيق الهدف في ظروف غاية في الصعوبة، إنها الإرادة الصلبة .

علينا أن ندقق ببعض التفاصيل لنعرف أن ما قام به الأسرى الفلسطينيون الستة هو معجزة، علينا أن نعرف أن معتقل جلبوع هو واحد من أكثر المعتقلات الإسرائيلية تحصينًا ويخضع لرقابة مشددة من داخله وفي محيطه، وأن من شبه المستحيل الحصول على أداة يمكن استخدامها في حفر نفق. كما أن حفر النفق هو بحد ذاته أمر صعب بحيث تعرف أين يبدأ ولكن كيف ينتهي، أو أين ينتهي وتكون فتحته الثانية في مكان آمن ويوفر الهرب الآمن. ومن جرب حياة الأسر في السجون الإسرائيلية يعلم دوريات التفتيش وبرنامج توزيع المعتقلين على غرف السجن وتبديلهم بشكل دوري..الأسرى تغلبوا على كل هذه العقبات.
لقد شاهدنا عمليات هروب في أفلام هوليوود ومنها ما هو أقرب الى الخيال، ولكن هروب الأسرى الستة من معتقل جلبوع هو الخيال بذاته، فمهما حاولت رسم خطة لهذا الهروب الناجح والمذهل فإنك ستكتشف أنها بالفعل معجزة.
أما ما يتعلق برمزيات هذا الهروب فهو دليل آخر على روح التحدي وهذا الإصرار لدى الشعب الفلسطيني، الذي لم يفقد الأمل بالحرية أبدا بعد أكثر من مئة عام من الصراع واحتلال بلده. إصرار برغم ما يحيط بقضيتهم من تآمر وتواطؤـ  إن من هو في دائرة اليأس الأن الاحتلال الذي يشعر مع كل يوم يمر أنه لن يستطيع هزيمة الشعب الفلسطيني. 
إن النفق الذي قاد الأسرى إلى مساحة أوسع من الحرية، فهؤلاء الأبطال الستة بما لديهم من التجربة النضالية يدركون أن نفق الحرية ما هو إلا نفق نحو المساحة الأرحب لمواصلة النضال من أجل الحرية الكاملة. 
النضال الوطني الفلسطيني تواصل، وانتقل من مرحلة الى أخرى وما احتفظ به الشعب الفلسطيني طوال هذه العقود من الصراع هو الأمل والروح الوطنية الوحدوية، ولولا هذا الأمل، وهذه الروح، لما نجح الأسرى الستة في الهروب المعجزة، فهم عندما عملوا معًا، لم يكن بفكرهم أن هذا جهاد إسلامي، وهذا فتح، إنما كانوا جميعًا فلسطينيين تجمعهم ذات الهموم ولديهم هدف الحرية لأجل حرية الوطن واستقلاله.

المصدر الحياة الجديدة