عُلا موقدي
غيّب الموت فجر اليوم الثلاثاء، صاحب مقولة "لا يخرجني من بيتي الا موتي"، المزارع الستيني هاني العامر "أبو نضال"، أحد "أعمدة" قرية مسحة غرب سلفيت الذي أفنى حياته دفاعاً عن بيته من غُزاة مستوطنة "الكناة".
ويمكن التقرير، أن بيت هاني العامر في قرية مسحة غرب سلفيت، يُعد واحدا من أكثر أماكن العيش خطرا في فلسطين، حيث يقع خلف جدار الضم والتوسع العنصري، ويفصله سياج سائك عن مستوطنة "الكناة" التي أٌقيمت على أراضي المواطنين منذ العام 1978 كأول مستوطنة على أراضي محافظة سلفيت.
بيتٌ محاط بمنازل المستوطنين والأسلاك الشائكة وكاميرات المراقبة والأقفال والأبواب الحديدية المصفحة.. يتطلب الدخول اليه والخروج منه أذونات مُسبقة من قبل سلطات الاحتلال، بما في ذلك في الحالات المَرضيّة والطارئة، أو خلال الأعياد والمناسبات وزيارات الأقارب.
إنها قصة جوار باهظ الثمن، دفعها، كل ساعة وكل يوم، من دمه واعصابه ورعب وارتجاف أطفاله الذين كانوا ينامون بعيون نصف مفتوحة.
وهاكم الحكاية: في مستهل السبعينيات، اشترى هاني العامر قطعة أرض بمساحة 3 دونمات، إلى الغرب من قرية مسحة، حيث كانت كرفانات مستوطنة "الكاناة"، تبعد ما يقارب الكيلومتر عن منزله.
"سرعان ما بدأت المستوطنة تقترب وتزحف باتجاهنا، وبدأ الاحتلال بإجراءاته التعسفية بهدم ملحق المنزل، وتكرار هدم مشتل زراعي كان مصدر رزقي الوحيد، حتى جاءت مرحلة بناء الجدار، فنسفوا المشتل تماماً"، قال العامر في مقابلة أجرتها معه "وفا" قبل أن يوافيه الأجل.
وأضاف: بعد هدم المشتل اتجهت إلى أرضنا في قرية عزون عتمة جنوب قلقيلية، وأسست فيها مزرعة دجاج، فلحقني الجدار إلى هناك، وهدمت جرافات الاحتلال المزرعة.
وأوضح: المعاناة في عزون كما في مسحة، كنت ممنوعاً من الدخول إلى مزرعتي التي تبلغ مساحتها نصف دونم، وتتسع لـ 4500 دجاجة بياضة، منوهاً إلى أنها كلفته الكثير مادياً بسبب افتقار المنطقة للبنى التحتية، واضطراره لشراء مولد كهربائي، حيث أسس بيتاً شبيها بالبيوت البلاستيكية لتفادي عمليات الهدم، دون ان تسعفه اجراءاته تلك.
لم يرحل العامر عن عزون عتمة، واستمر بالتحدي والبناء ومقاومة الجدار إلى أن نجح مع الأهالي بإزاحته عن أرضه.
في العامين 2003-2004 أبلغت عائلة العامر بالرحيل من المنزل في مسحة تمهيداً لهدمه، أو وضعه داخل الجدار، وأخبروه أن حياته ستكون مأساوية، فرد عليهم بالقول: لا مكان آخر أذهب إليه. لا يخرجني من هذا البيت سوى الموت.
استمرت اجراءات الاحتلال التعسفية بحق هاني العامر طيلة حياته، ساوموه بالمال وهددوه بالقتل لترك المنزل الا أنه رفض ذلك ونجح في مقاومتهم طيلة حياته.
ويفصل منزل العامر عن قريته بوابتان مقامتان على الجدار العنصري، أحد مفاتيحهما مع العائلة والآخر مع قوات الاحتلال.
منذ العام 1948، وعائلة "العامر" تعيش مرارة النكبة، حيث هُجرت عائلة الجد عبد الله عامر العامر من كفر قاسم، وفقدت كل ما تملكه من مال وأرض، وفقدت معيل الأسرة الوحيد إثر استشهاده على الطريق.
محافظ سلفيت اللواء عبد الله كميل قال لـ"وفا": شكل هاني العامر نموذجاً مميزاً في الصمود والتحدي، قاوم وعائلته مرارة العيش بين الاسلاك الشائكة، داخل الجدار وبالقرب من المستوطنين وبقي صامدا وشكل شوكة في حلق الاستيطان.
وأضاف: كان شجاعاً، ومثل الانسان الفلسطيني الحق الصامد على أرضه بالرغم من كل المضايقات والإجراءات الهادفة لكسر إرادته إلا أنه أثبت أنه صاحب الحق.
وبرحيل العامر، بحسب المحافظ كميل، خسرت فلسطين واحدا من النماذج الوطنية المشرفة التي تعتز بها فلسطين بشكل عام، وسلفيت وبلدة مسحة بشكل خاص.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها