ربما لم تكن الإساءة لقائد الثورة الفلسطينية الرمز الوطني المعاصر  للشعب الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات ( أبو عمار ) مبرمجًا ضمن جدول  برنامج المسيرات التي  انطلقت احتفالًا بايقاف إطلاق النار والنصر الإلهي الرباني حسب وصف رئيس المكتب السياسي لحماس لنهاية العدوان الاسرائيلي على جبهة غزة، ونقول جبهة غزة باعتبار أن باقي  الجبهات ما زالت حامية وقابلة للاشتعال خاصة في الحرم القدسي والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، لكنها مبرمجة في أذهان وأدمغة الجماعات والتنظيمات التي لا تعترف ولا تقر بالوطنية ليس الفلسطينية وحسب، بل الدولة والهوية الوطنية  من حيث المبدأ، لذا لم يسلم رمز الثائر الفدائي القائد المقاتل المقاوم  السياسي  أبو عمار من الإساءة في ( لحظة نشوة ) انفعالية وقد تكون انعكاسا لمخزون العقل الباطني من العدائية والكراهية المميزة لتعميماتها،  وقد تكون ارادية بفعل فاعل مأمور، كان هدفه تفجير الشارع الفلسطيني بلغم بشري ثان  بعد تفجير اللغم البشري  الأول عند محراب المسجد الأقصى بوجه مفتي الديار المقدسة وخطيب الاقصى الشيخ محمد حسين، لكن عقلانية قادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح وكوادرها ومناضليها قد فوتت على عملاء الشاباك الإسرائيلي فرصة اختراق جدار قلعة الوحدة الوطنية  الفلسطينية وتدميرها من الداخل بعد معجزة رفع أركانها خلال أسابيع ستبقى علامة فارقة في تاريخ الشعب الفلسطيني.

 لقد بلغ الملح الذي وضعه المناضلون الوطنيون على جراحهم ما يفوق سماكة الملح المتراكم على صخور وشواطئ البحر الميت، جراح عميقة كلما التأمت ينكأها الذين لن يهدأ لهم بال إلا بعد رؤية المشروع الوطني التحرري وقد أُصيب بجرثومة الفتنة والاحتراب الداخلي .

 نحن على يقين أن الذين فجروا لغم الاساءة للقائد الشهيد الرمز أبو عمار كانوا على يقين بمكانته عند الشعب الفلسطيني، لذلك كان هدفهم نسف قواعد الارتكاز المتينة الصحيحة القوية التي أرتفعت عليها الرواية  الفلسطينية، وجالت أرجاء الأرض باتجاه قارات وعواصم بعيدة كما القريبة، ونعتقد جازمين أن مخططهم لجذب حركة فتح إلى اقتتال داخلي في أجواء انفعالات شعبية مركبة معقدة ووسط دخان وغبار العدوان الدموي المدمر على شعبنا في غزة تحديدًا وعلى كل فلسطيني في أرض وطنه فلسطين التاريخية والطبيعية، كان بمثابة الخطة باء الإسرائيلية  لتوجيه ضربة قاتلة لقيادة الشعب الفلسطيني ومن ثم نقل المعركة الى الجبهة الداخلية الفلسطينية حيث ستمنح الضربة الاحتلال الوقت لتقييم نتائج عدوانه، وأساليبه وأدواته النارية التدميرية.

 لم تكن الإساءة الأولى لرموزنا الوطنية، ولن تكون الأخيرة ما دام المتسابقون طوعًا لخدمة الشاباك قد اسقطوا قناع السرية عن وجوههم وباتوا يجاهرون  بعدائيتهم المطلقة للوطنية الفلسطينية... غير عابئين لحشود وقوة الفخورين بهويتهم الوطنية، فقد ظن هؤلاء الذين اطلقت عليهم مسميات مثل  ( طابور خامس ) عملاء، وغيرها من المصطلحات القريبة في المضمون والمعنى أن لحظة التفاعل الطبيعي الناجمة عن ردة فعل شعبية  بسبب جرائم جيش الاحتلال ستشكل لهم الغطاء المناسب للانقضاض على عنق المشروع الوطني  وإردائه مخنوقًا! وربما ظنوا أن الوطني الذي يأبى حرف أنظاره عن قضية القدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح ضعيف، وأنهم استطاعوا سحب رصيده الجماهيري وبات معزولاً.. لكن الوطني لا يرد الكيد بالكيد ولا الحقد بالحقد وإنما بما تفرضه أخلاقه، فكانت الدعوة لنظم استراتيجية وقوانين ورؤيا واضحة تحدد الأولويات لحماية القدس والأقصى، ورفع سقف التفاوض بناء على  بنيان الوحدة الوطنية، كانت مستلهمة من روح ياسر عرفات الوطنية التي شتمت، ليس هذا وحسب بل دعوة لتحصين ما تم انجازه وحمايته من تغول الأطماع الفئوية الحزبية، ذلك أن المعركة مع المحتلين والمستوطنين الإرهابيين طويلة وما زالت مستمرة، وأن كل من يسعى لحرفها ساقط حتما.

ربما فهم اللاعبون الممسكون بريموت كونترول تفجير الألغام البشرية ومعهم المتورطون بجريمة الـتآمر على الوطن الأرض والشعب والدولة والدين وأن التمادي سيضعهم حتما في مسار الحساب الشعبي قبل القانوني النظامي، فالرموز يجب إحترامها حتى في اوج الخلاف السياسي، ولا يحق لأي كان الإساءة ولا مجال لتبريرها لأن المس برمز وطني  يعني المس برمز سيادي، فللرمز الوطني حصانة ليس في القانون وحسب بل في قلوب ونفوس وعواطف ومشاعر الشعب، ويجب أن يعلم من يستهتر بهذا الأمر أن أول نذر الهزيمة لشعب أو أمة أو حركة أو جبهة هو الصمت والسكوت على إهانة الرموز الوطنية وتبرير الإعتداء عليها والإساءة اليها . 

 نعتقد في الكلمة الأخيرة في هذا المقام أن السكوت بعد اليوم على أي إساءة لرئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية أبو مازن يجب ألا تمر دون عقاب قانوني رادع .. فجريمة التآمر على البلاد لإدخالها في صراعات بلا حدود تبدأ بالإساءات الممنهجة للرموز الوطنية المحصنة بشرعية شعبية وكفاحية وقانونية .