تتوالى صور المجد والفَخَار من القدس، من باحات الأقصى والشيخ جراح وباب العامود، ومن كل ميادين المواجهة مع جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين.. رجال ونساء، شيوخ وشباب وأطفال، بهامات مرفوعة وابتسامات متحديّة ومِشية أسود بين جبناء مدججين بالسلاح، تختصر الحالة وتعبِّر عنها بدلالة واضحة: يستطيع عشرات الجنود أن يعتقلوا شابة مرابطة، أو طفلا في عمر الزهور، أو شيخًا جليلًا، أو قائدًا أو عنصرًا من الشبيبة، أو مؤمنًا ومؤمنة متعبدة، من المرابطين في الأقصى أو شوارع وأزقة حارة الشيخ جراح، أو مسيرات التحدي في كل بقاع فلسطين، لكنهم بكل حقدهم لا ينتزعون رجفة خوف أو طأطأة استسلام.

وتتوالى صور شهداء في عمر الورود، أو امرأة أو رجل في عمر الكهولة، يعدمهم جنود من مسافة صفر، مرعوبين رغم السلاح الذي يتسربلون به وألبسة الوقاية من الرصاص، ودون أن يشكِّل هؤلاء الأبطال أي خطر عليهم، لكنه الخوف والحقد والتربية على القتل ما يحكم سلوكهم.

صور تشرح مشهد عدم التكافؤ، بين جيش جرّار، وبين عزَّلٍ لا يملكون إلا الايمان بحقهم، جيش يهاجم وكأنه يواجه جحافل مقاتلة، وهم كذلك بما يبدونه من شجاعة ورباطة جأش، ويعتقد جنود الاحتلال أنهم وهم يجثمون على صدر شاب أنهم دمروا دبابة، وعندما يعتقلون بعض الفلسطينيين العزل يتصرفون وكأنهم اقتادوا أسرى من ميدان معركة، وَهْمٌ يسكنهم بأنهم ينتصرون، لكنهم يستفيقون لاحقاً، على حقيقة أنه لا يوجد انتصار في مواجهة شعب يخوض حرب تحرير يعرف أنها طويلة وصعبة، تتنوع أدواتها، وتتعرّج دروبها.

الصورة يوم الجمعة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين يشقون الطرق الى القدس من كل المدن والقرى الفلسطينية الواقعة بين البحر والنهر مُبهرة تدق طبول وحدة الشعب ومشاعره ومصيره واستعداده لبذل الغالي والنفيس لهزيمة قوى الشر الصهيونية، يتجاوزون حواجز الحقد والعنصرية، وعندما توقف حافلاتهم حواجز العدوان، لا ينكفئون عائدين، بل يترجلون منها ويواصلون الطريق مشيًا على الأقدام، فيتنبه أبناء القدس فيهبون بحافلاتهم لينقلوهم، فيكتمل مشهد الوحدة وتنطلق الحناجر بالهتاف لعروبة فلسطين، في مشهد انتصار ميداني، فتلتهب نقاط المواجهة مع المحتل وتترك جيش الاحتلال في حالة استنفار وقطعان المستوطنين في حالة خوف لا يمكن أن يغادروها، ولا تعطيهم قوات الاحتلال أي شعور بالأمن، وهذا ليس عيشًا مريحًا ولن يكون مهمًا زاد عددهم ومهما زادت جحافل القوات التي تحميهم، ببساطة لأنهم في أرض مغتصبة ومسروقة يدافع عنها أصحابها ويبذلون أرواحهم لاستعادتها.

صور الميدان تخترق الفضاء وتصل إلى كل أنحاء العالم، تُشعر الفلسطينيين والعرب وأحرار العالم بالفخر والاعتزاز، وتجبر المترددين على اتخاذ مواقف ليس أقلها إعلان الدعم والتأييد، وتنجم عنها مواقف وتحركات دبلوماسية وضغوط حتى لو كانت في مظهرها ليِّنة إلا أنها مثمرة في تكرار التأكيد لعدم قانونية الاستيطان ووجوب زوال الاحتلال وتحقيق مطالب الفلسطينيين بالاستقلال والعيش الكريم وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس.

صورة الميدان فيها نقيضان: جبن المحتل يحاول اخفاءه بالأعداد الكبيرة للجنود، وشجاعة أصحاب الأرض والحق واضحة وجلية تظهر على قسمات وجوههم تنبض بالتحدي وتبشِّر بأن الاحتلال الى زوال.