في الأيام الخوالي وقبل اغتيال رابين كان هناك رغبة رابينية لإنهاء الصراع بعد عقود طويلة من إدارته ولا أقول رغبة صهيونية لأنها لو كانت كذلك لما تم اغتيال رابين وبقرار صهيوني لأن هذه الرغبة كانت تتعارض مع الاستراتيجية الصهيونية ألا وهي تحريم بناء كيان فلسطيني مستقل على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية مع أن مساحتها أقل من نصف ما أقرت له الشرعية الدولية في قرار التقسيم لسنة 1947 وأعتقد أن القبول الفلسطيني بهذا الظلم مع أنه كان قبول المكره لا البطل كان هو الحافز الأساسي للفلسفة الرابينية من أجل حل الصراع وليس إدارته كما أسلفت وهو ما كان عليه الحال مع كل من سبقه وكل من جاء بعده.

كان هدف اغتيال رابين، هو اغتيال مشروع إقامة الدولة الفلسطينية عن طريق التفاوض بين إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال ومنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفسطيني ولم يتضح هذا الأمر إلا بعد أن انسحب شارون من غزة سنة 2005 أو بالأحرى أعاد تموضع قواته حيث خرج من البيت الغزي من أجل أن يحاصره جوًا وبرًا وبحرًا لضمان تحقيق هدف فصل غزة عن الضفة وقتل المشروع الوطني الفلسطيني بإقامة دويلة للفسطينيين في غزة وهو أقصى ما يمكن للحركة الصهيونية أن تتنازل عنه من أرض فلسطين التاريخية على أمل تهجير سكان الضفة الغربية لاحقًا إلى الضفة الشرقية كوطن بديل لهم وهو ما كانت تخطط له الحركة الصهيونية منذ احتلالها لباقي الأرض الفلسطينية سنة 1967 وبسبب ذلك أعلن شارون في الخفاء والعلن عن أسفه الشديد لعدم استغلال كيانه الصهيوني للحرب الأهلية في الأردن بين النظام وقوات الثورة الفلسطينية سنة 1970 والاستغلال هنا يعني الإطاحة بالنظام الملكي الهاشمي وإقامة دولة للفلسطينيين وهذا ما يعنيه الوطن البديل في الفكر الصهيوني.

القيادة الفلسطينية ممثلة بالراحل الشهيد الخالد عرفات وخليفته الرئيس الحالي أبو مازن وبدون أي شك هم على علم بكل ذلك وهذه كانت إحدى الأسباب بضرورة العودة من الشتات إلى الوطن الأم فلسطين تحت أي مسمى وتحت أي ظرف والقبول بما لم يكن من الممكن قبوله قبل ذلك وهو اتفاق أوسلو كأساس لإقامة الدولة الفلسطينية على أي جزء محرر من الأرض الفلسطينية ولكن الذي ساهم في عدم نجاح المخطط الفلسطيني هو عدم تمكن القيادة من كشف كل أوراقها لأبناء شعبها، خصوصًا وأن كل فلسطيني من الأربعة عشر مليون يرى في نفسه ياسر عرفات الأمر الذي سهل فتح الباب على مصرعيه للثورة المضادة للاتفاق الذي قادته حركة حماس والذي استغلت فيه العاطفة الشعبية وعدم وضوح الرؤيا من أجل أن تحقق هدفها الذي قامت من أجله، أساسًا وهو أن تكون بديل لمنظمة التحرير وبأي ثمن، بدأتها بعملياتها التفجيرية في تسعينات القرن الماضي التي تسببت في تفجير كل ممكن ومتاح لإنجاح الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني (أوسلو) وكان أهم أهدافها تفجير المشروع الوطني الفلسطيني كونه الابن الشرعي لحركة "فتح" وهو الذي تحقق صهيونيًا مع اغتيال رابين لأن العمليات التفجيرية التي كانت لا تفرق بين ضحاياها كانت هي المحرض الأساسي والناجح في اغتيال رابين الذي كان يحمل في ثناياه في نفس الوقت مفجرات المشروع الوطني الفلسطيني وهو ما فعلته حماس بخطفها لغزة من الشرعية في سنة 2007 فيما أصبح يعرف بالانقسام الذي خطط له سفاح صبرا وشاتيلا، شارون وأمده مجرم حرب الإبادة والتطهير العرقي، نتنياهو بكل سبل الاستمرار وإلى يومنا هذا بدليل وقوفه ضد عودة غزة للشرعية الفلسطينية.

طبعًا ما نقوله ربما لا يروق في هذا الوقت لأسماع الكثيرين الذين ما زالوا يعتقدون بأن حماس هي المنقذ الأعظم وهي المحرر خصوصًا بعد السابع من أكتوبر الذي أثلج صدورنا جميعًا في مرحلة ما ولكن سرعان ما صحونا من الصدمة بسبب شدة الوجع ونحن نشاهد كيف أن حماس استولت على غزة وهي محررة وها هي تعيدها لنا محتلة ومدمرة وفي ذلك دليل على أن الإرث العرفاتي لم يصنه ولم يحافظ عليه غير رفيق درب عرفات وخليفته الرئيس أبو مازن الذي ما زال يمسك على الجمر وهو يرى ما يحصل في غزة ولا يستطيع أن يفعل أكثر من اللجوء للشرعية الدولية حتى وإن كانت عاجزة وذلك حفاظًا على البقية الباقية من الدولة الفلسطينية والسبب أنه لم يكن في يوم ما شريكًا  لأي من القرارات المتهورة التي اتخذتها حركة حماس طيلة فترة حكمها لغزة بعد أن تحررت على الأقل من أي وجود صهيوني وذلك من أجل إقامة إمارتها الإخوانية هناك.

وإلى كل من لا يروقه ما نقوله أضيف بأن المقاومة ليست مجرد طخطخة وصواريخ صوتية وإنما هي علم فن الممكن السياسي والديبلوماسي والعسكري وحرب العصابات وتوظيفها جميعًا لتحقيق النصر والأهم هو توفير الحماية ضمن الممكن لحاضنة هذه المقاومة وشريان حياتها وهو الشعب الذي تركته حركة حماس بعد السابع من أكتوبر يواجه أعتى آلة حرب إجرامية عرفها التاريخ بينما اختبأت هي في الأنفاق وهو ما يشجعني على القول بأن ما فعلته حماس لا يمت للمقاومة بصلة وإنما هو أخذ بالثأر في عصر القانون وسيادته الذي قال كلمته في الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في المنظمة الأممية سنة 2012 وهو الذي مكن فلسطين من اللجوء للمحاكم الدولية التي قالت هي أيضًا كلمتها بأن أصدرت قبل أيام مذكرات اعتقال بحق مجرمي الحرب من بني صهيون.

ما سبق يعني ضرورة أن تعترف حماس أخلاقيًا بكل ما ارتكبته من خطايا بحق أهلنا في غزة بصفة خاصة وما ارتكبته بحق المشروع الوطني الفلسطيني بصفة عامة ومن ثم عليها أن تترك فلسطين لأصحابها الذين يعيشون فيها وتعيش فيهم وتسكن فيهم أينما كانوا وأن تعيد غزة للشرعية التي تحررت تحت سلطتها قبل أن تخطفها حماس في انقلابها الإخواني الأسود وتحكمها بالحديد والنار ولا أرى في ما أقول فيه أي تجني وذلك بسبب إقرار محمود الزهار وهو أحد قادة حماس بأن فلسطين ليست أكثر من سواك أسنان في قاموس حماس الإخواني.

حركة حماس وللأسف فشلت في المقاومة كما فشلت في الحكم وفشلت في التفاوض وما زالت تكابر ولكن نقول بصوت مرتفع أن الوقت قد حان لكي تعترف قيادة حماس بذلك وحان الوقت أيضًا كي تعتذر قيادة حماس الإخوانية للشرعية الفلسطينية الممثلة بالرئيس محمود عباس وأن تعتذر ثانيًا للشعب الفلسطيني الذي حملها الأمانة سنة 2006 ولكنها لم تصنها بل خانت هذه الأمانة بعد سنة ونصف فقط بسبب انقلابها الأسود على هذه الشرعية.