كلما افترضنا أن دول الاتحاد الأوروبي أخذت تتلمس دورها الإيجابي نسبيًا تجاه المسألة الفلسطينية، وترتقي خطوة جديدة للأمام والعمل لتكريس حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، نلحظ ان قوى اليمين القومي في بعض دول أوروبا وفي مؤسساتها المشتركة تسعى بالتنسيق والتكامل مع الدوائر الصهيونية والأميركية لتشويه الصورة المقبولة لدول الاتحاد.

وفي خطوة ارتدادية سلبية، ومرفوضة جملة وتفصيلًا، تمثلت فيما أصدره البرلمان الأوروبي من قرار مجحف باتهام وكالة "الأونروا"، بأنها "تدرس وتنشر خطاب الكراهية وتشجع على العنف داخل مدارسها". وكانت هناك محاولات سابقة من قبل المجموعة اليمينية القومجية الأوروبية عام 2019 بقطع مساعدات دول الاتحاد الأوروبي عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين أسوة بما أقدمت عليه إدارة ترامب، التي غربت شمسها، وما تطالب به حكومة اليمين الصهيوني المتطرف برئاسة نتنياهو الفاسد.

وكما نعلم، أن استهداف الوكالة ليس جديدًا، ولا مفاجئًا، لكن الملفت في الأمرهو اندفاع ما يسمى القوى اليمينية قوميًا ودينيًا بالتماهي مع الأفنجليكان الأميركيين، ومع المخطط الصهيوني الهادف لشطب وتصفية "الأونروا"، وليس فقط المطالبة أو توجيه الاتهام لها بـ "تدريس خطاب الكراهية"، فهذة ليست سوى ذريعة باهتة ومكشوفة ومعيبة بحق أوروبا كلها، لا سيما أن عملية التحريض تتم وفقا لخطة منهجية معدة ومنسقة مع الإسرائيليين والأميركيين بهدف تمرير التصفية الأوسع والأشمل، أي للقضية الوطنية الفلسطينية.

وأيا ما كان موقف ورد قيادة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين حول المنهاج المدرس لأبناء الشعب  الفلسطيني، فإنني أسأل أصحاب قرار الاتهام المشبوه والمرفوض: هل تريدون أن يتعلم أبناءنا المنهاج الإسرائيلي الصهيوني التوراتي المزيف؟ هل تريدون لأبناء وأطفال فلسطين أن يتخلوا عن آبائهم وأجدادهم وروايتهم الوطنية، وأن يفصلوا تاريخهم على مقاس الرواية الصهيونية، أم ماذا تريدون؟ وكيف يمكن أن يصبح المنهاج الفلسطيني مقبولًا لديكم؟ ما هي معاييركم؟ ومن زاوية أخرى لماذا لا تطالبون دولة المشروع الصهيوني بإعادة النظر في مناهجها التربوية؟ وقبل ذلك، هل أطلعتم على تلك المناهج الصهيونية بمختلف مشاربها، وليس فقط في مدارسها الدينية والتلمودية وعلى أيدي حاخاماتها العنصريين؟ ولماذا يصدر القرار الآن بعد أو متزامنًا مع صدور تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" وبعد إقرار محكمة الجنايات الدولية الولاية على أراضي دولة فلسطين لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين؟ أو لم تروا جيدًا الممارسات والانتهاكات العنصرية والفاشية الخطيرة والمهددة للسلم الأهلي حتى داخل اليهود الإسرائيليين أنفسهم، وليس على أبناء الشعب الفلسطيني؟ وعن أية ديمقراطية تتحدثون، وأنتم تنتهكونها صباح مساء بتساوقكم مع المخطط الصهيو أفنجليكاني، والذي تعتبرون جزءاً أصيلًا منه؟ وأين كان النواب الأوروبيون أنصار السلام عن ردع ولجم أولئك العنصريين من الأحزاب الديمقراطية المسيحية ومن لف لفها بمسمياتهم المختلفة؟

مما لا شك فيه، أن قرار البرلمان الأوروبي يعتبر نكسة، وتراجعًا ملحوظًا في دور ومكانة دول الاتحاد، يحتم على حكومات أوروبا وبرلمانييها من قوى اليسار وأنصار السلام والعدالة بالتصدي أوروبيًا لمن وقف خلف القرار، والعمل على إعادة التصويت لإسقاط هذا الخيار اليميني المتصهين، والمعيب بحق أوروبا ومكانتها المتقدمة في العالم. كما يفرض على الحكومات الأوروبية التي لم تعترف بالدولة الفلسطينية التقدم خطوة إيجابية للأمام للاعتراف بها، تعزيزًا لقناعتها وتأييدها لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وزيادة الإسهام في دعم موازنة وكالة الغوث والسلطة الوطنية على حد سواء لتأكيد رفضها للقرار. ومن جانب آخر على وكالة الغوث والأمم المتحدة التصدي الشجاع لقوى اليمين المتغول، والمتواطىء والشريك الفعلي لحكومة نتنياهو ولإدارة غير المأسوف على سقوطه وهزيمته، ترامب. وبالمقابل على أبناء الشعب الفلسطيني في كل التجمعات التي تعمل فيها وكالة "الأونروا" رفع المذكرات للهيئات الدولية ولدول الاتحاد الأوروبي والخروج في المظاهرات والاعتصامات أمام الممثليات الأوروبية للتنديد بالموقف البرلماني غير المشرف للاتحاد ولشعوب أوروبا منفردة ومجتمعة. والعمل على كسر حلقة اليمين الأوروبي المتطرف في البرلمان وخارجه. ومطلوب من الجاليات الفلسطينية والعربية وأنصار السلام التحرك وسط أوروبا وأمام وداخل نطاق برلمانها المركزي وبرلماناتها المنفردة للتصدي لقوى اليمين المتصهين الأوروبي وخوض المعركة بقوة دون تهاون أو تلكؤ.