لأسباب عدة، نقول لديفيد هيل، المُسمى مبعوث واشنطن للسلام في الشرق الأوسط، إننا لا نرحب بما يفترضه من حلقة فلسطينية لربيع عربي، تختص حركة «حماس». فإن ظهرت في آفاقنا الفلسطينية، هكذا حلقة، يباركها الأميركيون، فإننا سنكون مع «حماس» ضدها. فلا قيمة ولا شرف، لأية رياح من هذا الربيع، إن لم تكن موجهة ضد الأميركيين وضد السياسات القبيحة المستبدة، التي يعتمدونها، وهي السياسات نفسها التي جعلت مبعوثاً مثله، يُفترض أن مهمته تتعلق بالسلام في الشرق الأوسط، عنصراً متخصصاً في إحباط السلام وسد آفاقه. فمثل هذه السلام، بطبيعته، يتوخى الحقيقة والعدالة، ولا يلائمه رجل كأنه مبعوث الشيطان!

وطالما أن ديفيد هيل يريد من الشعب الفلسطيني أن ينفجر في وجه حركة «حماس» فإن واجبنا يقتضي استباق أي انفجار مفترض، بالتوصل الى وفاق حقيقي، من شأنه تغيير وجهة الانفجار. ونقول بلغة المتخصصين في هندسة المتفجرات، إن العبوة، عندما يُراد لموجتها التفجيرية، أن تتجه الى يمين أو يسار، الى أعلى أو الى أسفل؛ فإن صانعها يجعل لها جداراً ضعيفاً، من الجهة التي ينبغي لغضب العبوة أن يتجه اليها. أما الزوايا والاتجاهات التي يتوجب ألا تمسسها شظية؛ فإنها تلك التي يحرص الصانع على جعلها سميكة محصنة. فلا ربيع ولا غضب، ينبغي أن يكون في مساحتنا التي يتوجب تحصينها. أما القضايا التفصيلية، كأسلوب الحكم ودستوريته، وقيم الديمقراطية والتسامح، والعدالة القائمة على تكريس جهاز قضائي مُهاب؛ فإنها واجبات وطنية، يتكفل بها الوفاق، وتضمنه الروحية العالية والعناصر المسؤولة!

ليس هناك استبداد، ولا عدوان على الناس، ولا مظلومية للمجتمع الفلسطيني؛ أعتى وأسوأ من الاستبداد والعدوان والمظلومية التي يوقعها المحتلون بنا، بدعم وتأييد ديفيد هيل وإدارته ومؤسسته التشريعية. وما قاله ديفيد هيل، أمام مجلس شيكاغو للشؤون الدولية، مردود عليه. لعله نُطق مكمل للتحقيق الصحفي الذي نشرته مجلة «تايم» الأميركية في عددها قبل الأخير. لقد فوجئت بالتحقيق الممتد على أربع صفحات، عندما تناولت المجلة في الطائرة الأردنية، وسرعان ما تحركت بوصلة عقلي، في الاتجاه المضاد، منذ اللحظة التي رأيت فيها الموضوع المُسهب، الذي يهجو حكم «حماس» في غزة، وساءني أن المجلة نجحت في استنطاق مواطنين في الوجهة التي تريدها. فالقاعدة الذهبية، على هذا الصعيد، أن يركز الفلسطينيون على استبداد الأميركيين وعلى الإهانات التي يلحقونها بشعوبنا. فهؤلاء يشوّهون حتى الربيع العربي، ويتعمدون الإيحاء بأنهم متعاطفون مع الشعوب، وأنهم من أنصار الحرية، ويستخفّون بعقولنا، كأننا لا نعلم أنهم هم أنفسهم منشئو وحُماة الدكتاتوريات الفاسدة، في العالم العربي وفي العالم. وحتى عندما يُظهرون عدم الممانعة في إسقاطها، بعد أن تتحول الى عاهات والى كوارث بيئية، لم يعد لديها ما تقدمه لأي طرف، فإن الأميركيين لا يرحبون بثورات التمكين لإرادات الشعوب!

نرفض كذلك، اختزال «حماس» وجعلها مجرد مشروع للعنف، وكأنها بلا قضية، وكأن ليس هناك احتلال يمارس كل أنواع الفجور والجرائم، ويستحث المقاومة، مثلما قاومت الشعوب المظلومة ظالميها. إن المقاومة المسلحة حق مشروع من حيث المبدأ، وهي ظاهرة تاريخية مبجلة، وإن كانت هناك حقائق ميدانية تجعلنا نستنكف عنها والأخذ بوسائل المقاومة اللاعنفية، التي تعكس غضب الشعب الرازح تحت نير الاحتلال البغيض!

إن تنظيرات الأميركيين، تدخل في سياق من التطفل والتغابي والرؤية العوراء، وفقدان الحس بالعدالة. وبالمناسبة هناك في حوزة بعض الأصدقاء، آلاف البرقيات من مستودع «ويكيليكس» تتعلق ببراهين على التخابر مع الأميركيين وإلابلاغ الجوسسي والخياني عن كثير مما يجري في كواليس السياسة الفلسطينية، وبالتفصيل الممل. ومن المؤسف أن المخبرين الذين يقدمون «خبرياتهم» الى القنصليات الأميركية، وهم يعرفون أنها ستكون بحوزة إسرائيل؛ ينتمون الى فصائل شتى، وبعضهم في مواقع متنفذة، وسنتناول هذا الموضوع في الوقت المناسب، لكي نشدد على ضرورة خلع وعزل ومساءلة هؤلاء التافهين وكنسهم الى مزابل الأخبار!

المخبرون الذين أعنيهم، ساعدوا كثيراً على توغل السياسة الأميركية في ظلمنا، وفي الاستهتار بكرامة شعبنا وبعدالة قضيتنا. ربما لو لم يكن هناك قليلو شرف، بهذا العدد الذي أفصحت عنه وثائق «ويكيليكس» لأصبح مخططو السياسة الأميركية، أقل استهتاراً بنا وأقل مجافاة للمنطق وللحقيقة.

أخيراً، فإن أي ربيع عربي يمكن أن نتشرف به، هو ذلك الذي يأخذ المجتمعات العربية الى التمكين لإرادات الشعوب. وعندما تمتلك الشعوب العربية إراداتها؛ ستُعاد حتماً، صياغة العلاقة مع الولايات المتحدة، لكي تصبح المجافاة مقابل مجافاة، والاستهتار مقابل الاستهتار، والإيذاء مقابل الإيذاء، على أصعدة ما يُسمى بـ «الشراكة» والتعاون والاعتمادية، إن كان تنسيقاً أمنياً، أو نوعاً من التعاون اللوجستي، أو التجارة والودائع النقدية، أو البترول استخراجاً وتسويقاً وتسعيراً، أو التسلح وغيره!

لا يحق لديفيد هيل، أن يبيعنا وصفات للربيع العربي، لأن هكذا ربيع، سيكون مرفوضاً إن أصبح يلائم الأميركيين طالما أنهم بهذا المنطق العقيم واللئيم المعادي للحق الفلسطيني