في الثاني عشر من أكتوبر 2023 أي بعد خمسة أيام من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي حصل في السابع من أكتوبر 2023، وصل وزير الخارجة الأميركية أنتوني بلينكن إلى تل أبيب وبعد أن عقد اجتماعًا مع بنيامين نتنياهو وقف في مؤتمر صحفي مشترك بينهما وقال: "أنا ممتن أن أكون هنا في إسرائيل، أتحدث بشكل شخصي، وأتيت كيهودي" بمعنى آخر فهو يعلن أنه في إسرائيل حتى يحارب مع إسرائيل كتفًا بكتف ضد ما اسماه التطرف والعنف الفلسطيني، وهو بذلك قد أعطى المظلة السياسية وأطلق الدعم العسكري غير المحدود لإسرائيل. لم تمضي سوى عشرة أيام حتى وصل الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل وقال: "جئت هنا للتأكد من توفر كل ما تحتاجونه للدفاع عن أنفسكم، وحتى يعرف الناس والعالم أننا نقف مع إسرائيل" إنه جو بايدن صاحب المقولة الشهيرة أمام الكونغرس الأميركي عام 1986 التي عبر فيها عن استعداده للدعم العسكري السخي لإسرائيل حيث قال: "إنه أفضل استثمار قمنا به على الإطلاق بقيمة 3 مليار دولار، لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على الولايات المتحدة أن تخترع إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة"، حتى أن بايدن وبعد مرور ما يقارب أربع عقود على موقفه هذا فإنه يذهب أبعد من ذلك عندما يقول: "ليس بالضرورة أن تكون يهوديًا حتى تكون صهيوني".
ويكثر الحديث هذه الأيام على أن ترامب سيقوم باختيار العديد من الشخصيات الأميركية اليهودية والمعروفة بتطرفها لتكون ضمن إدارته، وكأن الأمر كان مختلفًا إبان إدارة بايدن الديمقراطي، بل ربما أن الأعضاء اليهود في إدارة بايدن الديمقراطي اليهود كانوا أكثر مقارنة بالمرحلة الجديدة من اعتلاء ترامب الجمهوري لسدة البيت الأبيض، والأمثلة عديدة منهم، فبالإضافة إلى أنتوني بلينكن هناك، ديفيد كوهين نائب مدير المخابرات المركزية، ميرك جارلاند المدعي العام، أفريل هاينز مديرة المخابرات الوطنية، والمبعوث الأميركي عاموس هوكشتين وهو الذي خدم يومًا في الجيش الإسرائيلي قبل أن ينتقل إلى أميركا، وهنالك غيرهم الكثير. اليهود في إدارة بايدن أكثر عددًا من المرشحين اليهود من قبل ترامب ليكونوا في إدارة البيت الأبيض. بكل تأكيد ليس بالضرورة أن تحتكم سياسات الإدارات الأميركية تبعًا لعدد اليهود في كل إدارة، خاصة أن بعض اليهود الأميركان ينتمون إلى أحزاب وبيئات سياسية مختلفة، لكن من يتتبع الممارسات السياسية الأميركية في عهد بايدن تجاه القضية الفلسطينية يجد مفاصل أساسية مركزية وكذلك قرارات سياسية لا تختلف بشكل جوهري عما يتم توقعه من قبل إدارة ترامب تجاه القضية الفلسطينية واستمرارية الدعم لإسرائيل والتنكر للحقوق الفلسطينية.
وفي السادس من كانون أول عام 2017، اعترف ترامب بمدينة القدس والتي تم احتلال الجزء الشرقي منها عام 1967 كعاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ضاربًا في عرض الحائط كل القرارات الدولية التي تعتبر القدس مدينة محتلة، وبعد أقل من عام قامت الولايات المتحدة الأميركية بنقل سفارتها من تل أبيب إلى مدينة القدس. حينها تم التعامل مع مثل هذه القرارات غير المسبوقة على أنها أخلت بالدور الأميركي "المعلن رسميًا" والذي يطرح نفسه كراعي لعملية السلام المزعومة، واعتبر الكثيرين أن ذلك يقوض مفهوم الدولتين الذي دأبت الإدارات الأميركية المتلاحقة على طرحه كحل للقضية الفلسطينية. والسؤال الذي طرح نفسه في حينه وبعد أن فاز الديمقراطيون ووصل جو بايدن إلى سدة البيت الأبيض، هل نظر إلى هذا الموضوع بشكل مختلف أو عمل على تصويبه وفقًا للشرعية الدولية؟ بمنتهى البساطة فإن إدارة بايدن في عام 2020، لم تغير شيئًا واستبدلت فقط السفير الأميركي الواضح في ولائه الصهيوني وتأييده للاستيطان ديفيد فريدمان ووضعت بدلاً منه سفيرًا جديدًا أقل سفورًا وميلاً للدبلوماسية وهو جاك ليو.
وخلال المرحلة الممتدة ما بين عام 2016 حتى 2020 وهي ولاية دونالد ترامب الأولى في البيت الأبيض أطلق ترامب أيدي الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بزعامة بنيامين نتنياهو، بل إن ترامب وإدارته امتثلوا للموقف الإسرائيلي حرفيًا وتجلى ذلك بما عرف بصفقة القرن التي كان عرابها الأميركي اليهودي جاريد كوشنير صهر ترامب، والتي كان واضحًا أنها صياغة إسرائيلية ليس فقط من حيث البعد السياسي بل أيضًا بالمنظور الديني التوراتي، وتضمن الخطة استمرار السيطرة الإسرائيلية على معظم مدن وقرى الضفة الغربية، وكذلك ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة إلى إسرائيل، وبقاء القدس تحت السيادة الإسرائيلية. وعلى الرغم من حالة الرفض الفلسطينية لهذه الخطة إلا أن كوشنير وترامب استمرا في تهيئة مناخاتها وأرضيتها ضمن البعد العربي بحيث تم خلق ساحة عربية تطبيعية مع إسرائيل تمثل ذلك بما عرف باتفاقية إبراهام "البحرين، الامارات، المغرب".
وصل بايدن إلى البيت الأبيض مطلع العام 2021، وعلى الرغم من أنه لم يتبنى بشكل معلن صفقة القرن، إلا أنه بالمقابل أكمل العمل باتفاقية إبراهام من خلال وزير خارجيته أنتوني بلينكن والذي عمل بشكل غير مسبوق من أجل إقناع العربية السعودية بالتطبيع مع إسرائيل، إلا أن العدوان الإسرائيلي على غزة أطاح بخططه في إنهاء القضية الفلسطينية وتعميم التطبيع عربيًا.
وعلى الرغم من الكثير من المماحكات وأحيانًا بعضًا من غضب من قبل بايدن تجاه نتنياهو ومحاولة إظهار بعض الاختلافات ما بين الموقف الإسرائيلي والأميركي في آلية إدارة الحرب على الفلسطينيين واللبنانيين، ومثالاً على ذلك، مطالبات الأميركان بإدخال المواد الغذائية بشكل أكبر إلى قطاع غزة، أو التحذيرات من دخول رفح، أو عدم قبول السيطرة على محور فلادلفيا، وتقليل أعداد الشهداء بين المدنيين الفلسطينيين، إلا أن كل ذلك لا يعني أية خلافات جوهرية ما بين الموقف الأميركي والإسرائيلي فلقد حصلت إسرائيل على دعم عسكري ومالي وسياسي ودبلوماسي أميركي غير مسبوق منذ نشأة الكيان الإسرائيلي "ما يقارب 28 مليار دولار خلال عام"، إضافة إلى ذلك لم تتخذ أميركا أي مواقف تذكر أمام التوسع الاستيطاني واعتداءات المستوطنين على قرى ومدن الضفة الغربية وانتهاك حرمة المسجد الأقصى التي يقودها كلا من الوزيران بن غبير وسمودريتش، وبدعم واضح من قبل رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
أربعة أعوام قضاها ترامب على رأس البيت الأبيض 2016 – 2020 كانت زاخرة بالدعم وإطلاق اليد لإسرائيل حتى بدون أي لغة دبلوماسية اعتذارية، وأربعة أعوام أخرى 2021 – 2024 اعتلى سدة البيت الأبيض جو بايدن بوجه بلاستيكي وبمهارة دبلوماسية ووزير خارجية بارد المشاعر يسمع بالمجازر التي تفتك بالفلسطينيين واللبنانيين ولا يرمش له جفن، وأما الأعوام الأربعة القادمة فهي بلا شك صاخبة سيعلوها الصراخ والتهديد والوعيد وبعضًا من الصفقات، ويبقى السؤال إذا ما كانت ستحمل اختلافات جوهرية مفتوحًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها