بقلم: هدى حبايب
لم تكن الليلة الماضية هادئة عند الطفل براء ثائر عمارة ابن العامين، فكلما غلبه النعاس استيقظ مذعورًا، تطارده الكوابيس، فكل صوت عالٍ أو حركة مفاجئة يجعله يرتعد ويعيده إلى تلك اللحظة القاسية، فيشعر بالخوف والتوتر، فيبدأ بالبكاء.
أجلسته خالته على كرسي بجانب جدته ختام عمارة "أم رشاد" التي لم تفارق الدموع عينيها حزنًا على فقدان نجلها ثائر "38 عامًا" من مخيم طولكرم، الذي اغتالته قوات الاحتلال الليلة الماضية، وتحيطها النسوة لمساندتها وتخفيف الألم عنها وعن زوجته.
تقول أم رشاد في روايتها لما حدث مع حفيدها، نقلاً عن شهود العيان الذين شاهدوا الحدث منذ لحظة وقوعه: إن "براء عاش ساعتين من الرعب، إذ كان مرافقًا لوالده الذي اصطحبه معه بمركبته لإصلاح خلل فيها في ضاحية عزبة الجراد شرق مدينة طولكرم".
قبل ذلك، عاش الأب وابنه لحظات من السعادة، غير أنه عند وصولهما إلى كراج لتصليح المركبات، تفاجأ ثائر بحركة غير طبيعية في المكان، فإذا بقوات خاصة من جيش الاحتلال تحاصر المنطقة.
حاول أن يتماسك أمام ابنه، فلاعبه ومازحه للحظة قصيرة، وأعطاه علبة الحليب، وقبله واحتضنه وربت على رأسه وكتفيه، كأنه في لحظة وداع، فهدأ من روعه، وخرج من المركبة بعد أن أغلقها، وابتعد عنها بسرعة، وإذا بقوات الاحتلال تطلق الأعيرة النارية تجاهه، فأصابته في قدمه، حاول النهوض والاختباء، إذ كان همه أن يبتعد قدر الإمكان عن المركبة التي تؤوي طفله الصغير، ولكن بعد لحظات قصيرة باغتته رصاصة أصابت رأسه فسقط مضرجًا بدمائه، وارتقى شهيدًا على الفور.
لم يدرك براء معنى الرصاص الذي انهمر حوله وهو داخل المركبة، وما رافقه من صوت انفجارات كانت ناتجة عن قصف قذائف "أنيرجا" القاتلة، وما تركه عاجزًا عن فهم ما يجري، وكل ما يشعر به هو ذاك الإحساس العارم بالخطر، فبدأ بالبكاء بشدة، والتنقل من نافذة إلى أخرى داخل المركبة ينادي ويصرخ على والده، في لحظات من الخوف والذعر تحبس الأنفاس.
وتضيف الجدة نقلاً عن شهود العيان: بعد تنفيذ جنود الاحتلال جريمتهم، حاصروا المركبة، وكسروا نوافذها ولم يبالوا بوجود طفل داخلها يبكي ويصرخ، فأصابته عدة شظايا في وجهه، أخذوه معهم واحتجزوه لبعض الوقت في جيب عسكري وسط جنود مدججين بالسلاح، قبل أن يسلموه إلى إسعاف الهلال الأحمر الذي نقله إلى مستشفى الشهيد ثابت ثابت الحكومي في مدينة طولكرم، وهو في حالة من البكاء والخوف، وتم تقديم العلاج له وتسليمه إلى عائلته، ليعود إلى منزله هذه المرة دون والده الذي كان بصحبته، ليرتمي في حضن والدته التي أصابتها حالة من الصدمة والحزن الشديد على فقدان زوجها.
قتل الاحتلال ثائر وقتل معه الشاب مأمون شريم، وحاصر "بركسًا" في المكان نفسه وخطف جثمانيهما، وترك الطفل براء شاهدًا على هذه الجريمة، بلحظات عاشها من الخوف والضعف لا يمكن لطفل أن يعتادها ولا ينسى أثرها أبدًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها