بقلم: حمزة حنيني
من أراضٍ شبه مهملة كانت تزرع بالقليل من القمح وبعض البقوليات تحولت إلى أراضٍ خضراء بعد أن استصطلحها أصحابها في قرية بيت دجن الواقعة إلى الشرق من مدينة نابلس، أنشأ عدد من الشبان بيوتاً بلاستيكية على مساحة 25 دونماً، وزرعوها بأصناف متعددة من الخضراوات.
مئة عامل من هذه القرية كان مصدر رزقهم داخل الخط الأخضر، وبعد أحداث السابع من أكتوبر منعهم الاحتلال من الالتحاق بأعمالهم، فقرروا زراعة أراضيهم وفلاحتها ليساعدهم خراجها في تلبية احتاجاتهم المعيشية، علاوة على تحفيز الحركة الاقتصاية في قريتهم، وتحفيز مواطنين آخرين للاستثمار في أرضهم.
وتساعد جمعية التنمية الزراعية مواطنين على إنشاء مشاريع زراعية كشق الطرق، وإنشاء خطوط شبكة مياه زراعية وتوفير الاحتياجات اللوجستية من البيوت البلاستيكي، ومدهم بالمياه، بينما يقوم المجلس القروي بتوفير الخدمات الأساسية من كهرباء وغيرها من الخدمات التي شرع بتقديمها لهم.
وأنشأ المواطن رعد حنيني الذي فقد عمله بعد سنوات من العمل داخل الخط الأخضر، بيوتاً بلاستيكية في مساحة تبغ دونمين من أرضه التي تقع في منطقة السهل الغربي من القرية وقام بزراعتها بالبندورة، فأنتجت محصولاً حقق له دخلاً جيداً في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
ويقول حنيني: إن "زراعة الأرض والمحافظة عليها أفضل بكثير مما كانوا يتعرضون له من معيقات ومعاملة سيئة داخل الخط رغم أن الدخل كان أعلى، لكنه يظل العمل في أرضه أكثر صوناً للكرامة".
ووصف حنيني مشروعه بأنه أفضل كونه يشعر بأن تعبه يذهب لصالحه ولا يعمل بأجر ولساعات طويلة، مشيراً إلى أن هذا العمل يشعره بحرية وأمان وانتماء.
ويضيف: "الحفاظ على الأرض أهم بكثير من الدخل المادي المرتفع".
ومن دَخلٍ منخفض لا يتجاوز الألف شيقل محصول الدونم الواحد من البقوليات سنوياً أصبحت المساحة نفسها التي أنشأ عليها حنني بيوتاً بلاستيكية وزرعت بالخضراوات توفر دخلاً مضاعفاً يصل إلى (50-60) ألف شيقل سنوياً.
ليس هذا فحسب، بل وفر مشروعه فرص عمل لأبناء قريته العاطلين عن أشغالهم داخل الخط الأخضر، ومن بينهم شقيقه وسيم.
ويعمل حنيني على تطوير مزرعته بإضافة بيوت بلاستيكية جديدة وتأهيلها، وإضافة بركة تجميع مياه الأمطار كي يوفر على نفسة تكاليف شراء المياه في فصل الشتاء.
ومنذ اندلاع الحرب العدوانية على شعبنا في السابع من تشرين الأول عام 2023، يعمد الاحتلال إلى إقامة الحواجز العسكري، ويمنع 200 ألف عامل من التوجه إلى أعمالهم داخل الخط الأخضر، الأمر الذي حول هؤلاء العمال إلى صفوف البطالة، وحرم الأسواق من سيولة نقدية تقدر بنحو 1.5 مليار شيقل، ما أدخل الدورة الاقتصادية في تباطؤ غير مسبوق.
ويقول المزارع والصحفي محمد أبو ثابت: إن "القطاع الزراعي في بيت دجن؛ كغيرها من القرى الفلسطينية، له أهمية كبيرة في دعم الاقتصاد المحلي، إذ يعتمد عليه عدد كبير من المواطنين كمصدر رئيسي الدخل".
ويلعب هذا القطاع دورًا مهمًا في تحقيق الأمن الغذائي، ويوفر العديد من المحاصيل الغذائية الأساسية التي تلبي احتياجات المواطنين وتخفف من الاعتماد على المنتجات المستوردة.
وتشتهر بيت دجن بعدد من المحاصيل الزراعية مثل الزيتون، والتين، والعنب، واللوزيات، وزراعة الخضراوات بإصنافها وأشكالها المتعددة داخل البيوت البلاستيكية ما يساهم في تعزيز الاكتفاء الذاتي المحلي.
إضافةً إلى ذلك، يُعد القطاع الزراعي مصدرًا مهماً لفرص العمل، حيث يوفر فرص عمل موسمية ودائمة في الزراعة ورعاية المحاصيل، ما يدعم العائلات ويساهم في تحسين الظروف المعيشية.
ويسهم الإنتاج الزراعي في تنشيط القطاعات المرتبطة به، كالتجارة والنقل والصناعات الغذائية، حيث يعتمد الكثير من التجار على المنتجات الزراعية المحلية.
كما يشكل هذا القطاع ركيزةً في الحفاظ على التراث الزراعي والهوية الريفية، حيث يرتبط المواطنون بالأرض ويدافعون عنها في وجه التحديات، سواء كانت بيئية أم سياسية.
ويقول الخبير الاقتصادي عقل أبو قرع: إنه "حسب معطيات حديثة، ازداد التوجه نحو القطاع الزراعي، أو على الأدق نحو العمل في القطاع الزراعي، كمصدر للدخل بنحو 30 % مقارنة بما كان قبل الحرب على قطاع غزة".
ويضيف: "بالطبع فإن الأوضاع الاقتصادية ومنها توقف العمل في الداخل، وتضاؤل فرص العمل في مناطق الضفة الغربية، من أهم الأسباب لذلك"، مشيراً إلى أنه بغض النظر عن الأسباب فإن زيادة الإقبال على القطاع الزراعي، كقطاع إنتاجي مستدام له أهمية كبيرة، وما لذلك من أهمية في الحفاظ على الأرض، وعلى النظام البيئي، وأهمية العمل بكرامة وإنسانية لآلاف العمال، والحفاظ على استقرار الأسواق، وتحقيق مفهوم الأمن الغذائي، كل ذلك يتطلب من الحكومة ومن الجهات الأخرى العاملة في المجال الزراعي، منح الأولوية لهذا القطاع، وتقديم كافة أنواع الدعم والمساعدة، لكي يتم الاحتفاظ بهذا الزخم بشكل مستدام، ومع نتائج بعيدة المدى على الاقتصاد والامن الغذائي.
ويلفت أبو قرع إلى أن القطاع الزراعي من القطاعات الإنتاجية التي نستطيع الحفاظ عليها ودعمها والتخطيط لها، وبالأخص في هذه الفترة، ومع تركيز الحكومة أكثر على الاعتماد على الذات في ظل شح الدعم الخارجي، ومع التوجه أكثر نحو الانفكاك تباعاً عن الجانب الاسرائيلي في مختلف المجالات، ومع أهمية الاستثمار في قطاعات إنتاجية مستدامة، تدرّ الدخل وتشغل الأيادي العاملة، وتحقق الأمن الغذائي، وتزيد التصدير إلى الخارج، وفي خضم ذلك من المفترض أن يحتل القطاع الزراعي الفلسطيني الأولوية لمشاريع وخطط الحكومة، سواء أكانت قصيرة أو بعيدة المدى.
ويبين أن القطاع الزراعي ساهم بنسبة هامة في الناتج المحلي الإجمالي، ولكن حسب تقارير حديثة، فإن مساهمة القطاع الزراعي الفلسطيني في الناتج المحلي الإجمالي قد تقلصت إلى أكثر من النصف، أي من حوالي 9% في عام 1999 إلى فقط حوالي 5% أو أقل من ذلك خلال السنوات القليلة الماضية، ومن الأسباب لذلك هو القيود للوصول إلى الأرض والمياه، خاصة في المنطقة المصنفة "ج"، ولكن هناك أسباب أخرى، يمكننا التحكم بها، ومن خلالها يمكن إيلاء الاهتمام المطلوب بهذا القطاع الإنتاجي الهام، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك في تحقيق الأمن الغذائي، وتوفير المنتج الوطني، والحد من الارتفاع المتواصل في الأسعار، وتشغيل المزيد من الأيدي العاملة.
وكانت تقديرات جديدة صادرة عن منظمة العمل الدولية والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أظهرت أن حوالي 507,000 وظيفة فُقِدت في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة حتى نهاية كانون الثاني 2024 بسبب الحرب المستمرة في غزة.
وقالت المنظمة: إن "البيانات تظهر أنه حتى 31 كانون الثاني، تم فقدان حوالي 201,000 وظيفة في قطاع غزة بسبب الحرب المستمرة، وهو ما يمثل حوالي ثلثي إجمالي العمالة في القطاع".
وأضافت: أنه "تم فقدان 306,000 وظيفة أو ما يعادل أكثر من ثلث إجمالي العمالة في الضفة الغربية، حيث تأثرت الظروف الاقتصادية بشدة".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها