يشاع في بعض مواقع التواصل الاجتماعي أن الانتخابات التشريعية ستؤجل. وتتركز هذه الشائعات المقصودة على ضبابية المشهد السياسي حول شكل القوائم التوافقية، وعلى أطرافها، وعلى عدم وضوح المشهد الانتخابي في القدس المحتلة. وتنتشر هذه الشائعات بشكل سريع ومفاجئ، بحيث غدت العديد من الأطراف السياسية والفواعل الاجتماعية تقتنع بها وترددها. ويساعد على انتشار شائعة التأجيل حصول عملية التأجيل في أحداث انتخابية سابقة. في هذا السياق، يمكن إثارة العديد من الأسئلة حول مصدر هذه الشائعات؟ ومدى قربها من الحقيقة؟ وما هي الغايات من وراء نشر مثل هذه الشائعات؟
بداية، ليس من الصعب علينا أن نؤكد على أن الانتخابات التشريعية ستجري في موعدها حسب المقرر. وعلى هذا، نجد السيد الرئيس محمود عباس يصر على عقدها في موعدها باعتبارها غاية استراتيجية ومدخلًا للمصالحة. كما أن لجنة الانتخابات المركزية استنفرت كافة طاقاتها للاستعداد للعملية الانتخابية، وقطعت في هذه العملية شوطًا ليس بسيطًا. وتلقى خطواتها مباركة من مختلف الفصائل السياسية.
وفي السياق، فإن كافة الأحزاب وفصائل العمل الوطني تعمل بجد واجتهاد من أجل إبرام التحالفات وتشكيل قوائمها. فتح من جانبها، وضعت معايير صارمة لاختيار مرشيحها، ويتوقع أن تنهي مسألة الترشيح خلال الأسبوعين المقبلين.
وبالنسبة لفصائل اليسار، فإنها تتفاوض بجدية من أجل تشكيل ائتلاف حزبي للدخول في المعترك الانتخابي، ويفترض أن أسماء مرشيحها شبه جاهزة حتى لو لم تنجح مفاوضاتهم في خلق ائتلاف انتخابي يساري.
وفي نفس الحقل، تعمل حماس بصمت لتشكيل قائمتها الانتخابية، لا سيما أنها أنهت بصعوبة انتخاباتها الداخلية مؤخرًا.
بالمقابل، حتى الآن تجد القوائم المستقلة كثيرة العدد، صعوبة في تحديد أسماء ثابتة لمرشيحها بسبب عدم وجود ضوابط تنظيمية داخل هذه القوائم. ولكن بالمجمل، وحتى تستطيع هذه القوائم أن تتجاوز نسبة الحسم، يمكن أن نتوقع أن تندمج العديد من هذه القوائم في ثلاث قوائم أو أكثر بقليل.
وبالمحصلة، فإن غالبية الفصائل والقوائم المستقلة تكثف أنشطتها من أجل الانتهاء من تشكيل قوائمها قبل الأول من نيسان القادم حسب تقويم لجنة الانتخابات. وكنتيجة للعرض السابق، فلا داعي لتأجيل الانتخابات، ولم يصدر عن أي فصيل وطني أي تصريح يشير إلى تأجيل هذه العملية.
إذن ما هو مصدر هذه الشائعات وما هي غاياتها؟ من الواضح أن جهات مشبوهة تقف وراء تعميم هذه الشائعات، وقد تكون هذه الجهات مرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي، أو بجهات محلية خارجة عن القانون مرتبطة بأجندات خارجية. ولسنا هنا في صدد اتهام أي جهة، ولكن يبدو أنها جهات منظمة تتقن فن إثارة الشائعات وتستخدم "الطابور الخامس" ومواقع التواصل الاجتماعي لبث هذه الشائعات. وبالضرورة، يبرز السؤال المهم وهو: ما هي الغاية من وراء نشر هذه الشائعات؟
في الواقع، هنالك عدة آثار سلبية يمكن لها أن يسببها انتشار مثل هذه الشائعات، وأهمها:
أولًا: خلق بلبلة في صفوف الأحزاب والفصائل المتنافسة ولدى أوساط المجتمع، بحيث تعزز هذه البلبلة من حالة عدم الثقة بين القيادة والمواطنين من خلال عملية التشكيك بجدية القيادة والأحزاب في الدخول في المعترك الانتخابي.
ثانيًا: تثبيط معنويات القيادات السياسية والمجتمعية لا سيما قيادات الصف الثاني والثالث، والتي تسعى من خلال عملية الانتخابات إلى أن تأخذ دورها القيادي في المرحلة المقبلة، وبالضرورة، فإنها ستكون في ظل هذه الشائعات أقل حراكا، وأكثر تخبطًا في خطواتها التنظيمية.
ثالثًا: تقليل نسبة المشاركة السياسية بشكل عام، ونسب الاقتراع بشكل خاص. فانتشار هذه الشائعات سيقلل الحافز لدى جمهور الناخبين للذهاب للاقتراع وترتيب أوراقه في ظل ارتفاع منسوب التشكيك في إجراء الانتخابات.
ما أود قوله، إن كل من هو قريب من العملية السياسية في مراكز صنع القرار يدرك جليًا أن الفلسطينيين ماضون قدما في إجراء الانتخابات، فالانتخابات خيار استراتيجي وديمقراطي لكل فئات شعبنا الفلسطيني، ولن يثني الفلسطينيين عن تحقيق إرادتهم أي عائق. ولن تحقق هذه الشائعات أيا من غاياتها في ظل إصرار الجميع على إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وعلى الذين يطلقون مثل هذه الشائعات أن يدركوا أن صندوق الانتخاب هو البوصلة الوحيدة للشرعية، وليس إثارة الشائعات والاختباء وراء جهات خارجة عن الشرعية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها