كثير من الكتاب والسياسيين عندما يناقشون شراكة إئتلافية أو انتخابية بين قوى حزبية وسياسية في دولة الاستعمار الإسرائيلي، يعيدونه إلى البعد اللحظي والآني، ولا يقرأونه بابعاده وخلفياته ذات الصلة بالمشروع الصهيوني الكولونيالي، ولا بالخلفية الأيديولوجية، وبعض آخر يسعى لإخفاء الأبعاد السوداوية والحقيقية بهدف طمس الحقائق، وإدعاء إسقاطات كاذبة لا أساس لها في واقع المستعمرة الإسرائيلية
المقدمة السريعة أعلاه، لها علاقة بحدث يبدو صغيرًا، لكنه كبير بدلالاته وأبعاده في الأيديولوجيا الاستعمارية الصهيونية. وما قصدته، هو ما تم يوم الأربعاء الماضي الموافق 10/2/2021 من اتفاق بين حزب "الليكود" برئاسة نتنياهو الفاسد مع قائمة "الصهيونية الدينية"، التي تضم أحزابًا يمينية متطرفة بزعامة النائب بتسلئيل سموتريتش، والتي تشكلت مطلع شهر شباط / فبراير الحالي (2021) بغية عدم هدر أصوات المقترعين من المعسكر الصهيوني، ونتيجة ضغط بيبي، رئيس الحكومة الحالية، وذلك بهدف تعزيز قوة تحالف التيار الديني والأيدلوجي الصهيوني المتطرف في مواجهة الخصوم السياسيين والحزبيين في معركة انتخابات الكنيست ال24 القادمة، وأيضًا بحسابات الحاوي الشخصية والآنية، لتأمين الهرب له من سيف المحكمة.
ووفق المصادر الإعلامية الصهيونية، فإن بن غفير، رئيس حزب "عوتسماه يهوديت" الفاشية، وأحد أتباع الحاخام غير المغفور له، الفاشي مثير كهانا، أكد أن كتلته اتفقت مع زعيم الليكود على تشكيل حكومة يمينية مشتركة، تقوم خطوطها العامة على "حماية أرض إسرائيل، وتعزيز هويتها اليهودية، والاهتمام بالاقتصاد والرفاة الاجتماعي." للصهاينة، مع أن نتنياهو "نفى ذلك، وأكد على أنهم سيكونون جزءًا من الائتلاف الحاكم إذا قدر له ذلك". وبالتالي الأمر لم يقتصر على اتفاق فائض الأصوات، إنما هو تحالف أعمق بكثير من حسابات اللحظة الراهنة، ويتصل بافآق المشروع الصهيوني الاستراتيجية. أضف إلى أن هذا الاتفاق يشير لبعد أكثر تجذرًا في المجتمع الاستعماري الصهيوني، يتمثل في التزاوج بين الصهيونية الدينية والأيديولوجية، وإزالة الفوارق والتباينات الشكلية، التي كانوا يدّعون وجودها، لا بل أن السمة العامة في الساحة الصهيونية ومنذ فترة تتجه تدريجيا لصعود وتسييد الصهيونية الدينية المتطرفة، وتراجع وإنكفاء دور القوى الصهيونية العلمانية والأقل تطرفًا، والذين يعتبر وجودهم شكلًا من أشكال الديكور لإيهام المراقبين، بأن الدولة الصهيونية تتسع لمساحة من "الديمقراطية"، مع أنه في الحقيقة لا يوجد ديمقراطية في الدولة الاستعمارية، وإن وجدت بعض المساحيق الشكلانية، فهي تهدف ايضا لتلميع صورة الدولة الكولونيالية، وليست ديمقراطية أصلانية، لا بل هي "الغطاء على العنصرية الاستعمارية" لتضليل العالم وحتى المجتمع الصهيوني نفسه.
مع ذلك القيادات الأقل راديكالية وتطرفا في المجتمع الإسرائيلي شنت هجوما على إتفاق الفاشيين الجدد (نتنياهو سموتيريتش وبن غفير)، وكتبت ميراف ميخائيلي، زعيمة حزب العمل على موقعها في "تويتير" إن "السلاح الذي اطلق الرصاص على رابين وعلى طريق السلام عام 1995 يعود ليغتال "الديمقراطية".وعلق رئيس حزب "هناك مستقبل" على موقعه في "تويتر"، أن "نتنياهو وقع إتفاقًا لتوزيع فائض أصوات مع حزب باروخ غولدشتاين( مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف في شباط / فبراير 1994 التي ذهب ضحيتها 29 شهيدًا و150 مصابًا من المصلين الفلسطينيين في صلاة العيد) وبن غفير. أننا أمام عملية تحصين قائمة على الرشوة مقابل دعم الإرهاب". والاتفاق يتجاوز رؤية لبيد وميخائيلي، مع أن الأخيرة أقرب للمنطق ومحاكاة التحالف الجديد.
كما نددت منظمة اللوبي الإسرائيلي الأميركي، التي تدعى "أغلبية ديمقراطية من أجل إسرائيل" يوم الخميس الماضي الموافق 11 شباط / فبراير الحالي بإتفاق فائض الأصوات. وهذه المرة الأولى، التي يتطرق فيها اللوبي الجديد في الشأن الداخلي الإسرائيلي. حسب ما جاء في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية. وللعلم تشكل اللوبي المذكور قبل سنتين بهدف دعم مؤيدين للحزب الديمقراطي الأميركي في المشهد الإسرائيلي. ووجه اللوبي انتقادات إلى رئيس الليكود المتورط في قضايا فساد معلنة ومعروفة، وموجودة امام المحاكم الإسرائيلية، وجاء في بيان باسم رئيسي اللوبي "آن لويس" و"تود ريتشمان" على "حقيقة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يمد خطا بين الليكود وعوتسما يهوديت – وهو حزب متطرف يتألف من تلاميذ الحاخام الفاشي مثير كهانا – وهذه فضيحة.
استطيع تفهم موقف اللوبي الصهيوني الأميركي بوصف الاتفاق بالفضيحة، لانه يقرأ المعادلة من موقعه الصهيوني، والمنسجم مع الرواية الصهيونية. لكن ما جرى كما ذكرت سابقًا، هو التطور الطبيعي لأدوات المشروع الصهيوني الكولونيالي، كمشروع وظيفي إستعماري، وبالتالي التزاوج بين الليكود وكتلة الصهيونية الدينية، ومعهم ساعر وبينت وليبرمان ودرعي ومن لف لفهم من اليمين والحريديم المتطرف يعكس الخط البياني الصاعد للتيار الفاشي الإستعماري، والذي تقف على رأس أجندة أعماله الحروب وإنتاج الإرهاب والعنف والضم والاستيطان الاستعماري، وتبديد خيار السلام والتعايش، الأمر الذي يستدعي من القوى العالمية عمومًا، وقوى وانصار السلام في إسرائيل توحيد جهودهم لمواجهة تحدي الفاشيين الجدد، وصيانة العملية السلمية، وتأمين مصالح وحقوق الشعب العربي الفلسطيني وفق خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 بالحد الأدنى الممكن والمقبول لحماية السلم والأمن والتعايش والتسامح.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها