سؤال يحير الطبقة السياسية الإسرائيلية، لماذا لم يتصل الرئيس الأميركي الجديد بايدن برئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو حتى اللحظة؟ الرئيس أوباما بادر للاتصال بعد أربعة أيام، وترامب اتصل بعد ثلاثة أيام، واليوم مضى على وجود بايدن أكثر من ثلاثة أسابيع ولم يتصل بنتنياهو. هناك ما يشبه الإجماع داخل إسرائيل وخارجها بأن سنوات العسل التي أمضاها نتنياهو مع الرئيس ترامب قد انتهت.

نحن أمام واقع ربما يحصل للمرة الأولى، فالمسألة ليست مجرد خلافات في وجهات النظر، هذا كان موجودًا في كثير من الأحيان بين رؤساء أميركيين ورؤساء حكومات إسرائيلية. اليوم سيدفع نتنياهو على ما يبدو ليس ثمن صداقته مع ترامب وحسب، إنما ثمن تدخله المباشر ومنذ عهد أوباما في الشؤون الداخلية الأميركية وتحالفه مع أقصى اليمن في الحزب الجمهوري ضد الحزب الديمقراطي، وحتى المحافظين التقليديين في الحزب الجمهوري. كما سيدفع ثمن تخريب مسارات السياسة الأميركية في منطقة الشرق الاوسط، مستغلا ترامب وإدارته اليمينية والعنصرية حتى آخر نفس.

نتنياهو مسؤول عن تخريب مسار الاتفاق النووي مع إيران، وهو مسار أعطته إدارة أوباما الديمقراطية بالتعاون مع روسيا والاتحاد الأوروبي جهدًا كبيرًا. نتنياهو مسؤول عن تخريب مسار التسوية في الشرق الأوسط الذي اعتمدته إدارة أوباما، وحتى إدارة بوش الابن الجمهورية، والذي أساسه حل الدولتين ومبادرة السلام العربية. لقد عمل نتنياهو مع صديقه ترامب على تدمير هذا المسار عبر خطوات ممنهجة، أولًا: استبعاد حل الدولتين عن طاولة البحث، ثانيًا: إخراج قضية القدس من أي مفاوضات، عبر نقل ترامب  للسفارة الأميركية من تل ابيب الى القدس، وإعلانها موحدة عاصمة لإسرائيل، ثالثًا: تكثيف الاستيطان بالتوازي مع طرح صفقة القرن، التي تمنع عمليًا قيام دولة فلسطينية تمامًا، ورابعا: تغير جوهر مبادرة السلام العربية، وقلبها رأسًا على عقب بحيث جاء تطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية قبل انهاء الاحتلال وانسحابها من الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967.هذا بالاضافة إلى أنه، أي نتنياهو، كان حليف ترامب في تخريب وتسميم علاقات واشنطن الدولية، والتشجيع على إقامة جدار الفصل مع المكسيك، على غرار جدار الفصل في فلسطين.

الرئيس بايدن ليس أي رئيس فهو شخصية سياسية مخضرمة، صاحب تجربة طويلة وعميقة، بدأ حياته السياسية منذ مطلع سبعينيات القرن العشرين. يعرف جيدًا دهاليز السياسة الداخلية الأميركية كما الخارجية، والأهم أنه يعرف أكثر من غيره موقع اسرائيل في الاستراتيجية  الأميركية، لذلك هو الأقدر على التمييز بين التأييد الأميركي التقليدي والتزامها القاطع باسرائيل وحماية أمنها وبين التأييد أو عدمه لرئيس حكومة إسرائيلي بعينه. نتنياهو ليس هو إسرائيل  بالنسبة لبايدن، أنه رئيس حكومة فاسد مشاكس، صديق لأقصى اليمين الشعبوي الفاشي في الولايات المتحدة. النقيض التام للديمقراطيين.

لم يكن نتنياهو يخفي غبطته وسروره لفوز ترامب على هيلاري كلنتون في انتخابات عام 2016، بل كان حليفًا لترامب قبل وخلال حملته الانتخابية، وكان إلى جانبه في حملته في الانتخابات الأميركية الأخيرة، لقد وقف مع طرف ضد طرف آخر، وهو أمر لم يحدث بهذه العلنية والوضوح من قبل. لذلك فإن سنوات عسل نتنياهو قد انتهت، فهو من طينة اليمين المتطرف الفاشي والعنصري، وهو يتصرف حتى اللحظة بمنطق ترامب عندما أبرم اتفاقًا لتبادل أصوات الناخبين مع حزب المجرم غودشتاين، مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل عام 1994 والارهابي العنصري كاهانا.

ما يقوم به بايدن وإدارته هو تنظيف الطاولة من كل أوساخ ترامب، ونتنياهو هو من ضمن هذه الأوساخ، فلدى الإدارة الأميركية يقين بأنه لا حل لأزمات المنطقة مع وجود نتنياهو في الحكم، فهو شخصية هدامة، شخص انتهازي لا يهمه إلا نفسه. وليس مستبعدًا ألا يكون الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أحد أولويات إدارة بايدن في هذه المرحلة، لأن اي حديث عن عودة لطاولة المفاوضات على أساس حل الدولتين لن يكون حديثًا جديًا مع وجود نتنياهو، حتى أن هناك من يقول إن اتصال بايدن بالرئيس محمود عباس قد تأخر لأنه لا يريد أن يكون مضطرًا إلى  الاتصال بنتنياهو.

السؤال الذي يجب أن يقدم الإسرائيليون إجابة عليه: هل نتنياهو جيد لهم ولإسرائيل في المرحلة المقبلة؟

لقد أصبحت إسرائيل في زمن نتنياهو دولة أكثر عنصرية.. دولة فصل عنصري وتبتعد عن كونها دولة ديمقراطية، كل ذلك بسب إصرار رئيس الحكومة هذا وجماعاته اليمينية على مواصلة الاحتلال، وإصدار مزيد من القوانين العنصرية. أنه في نظر إدارة بايدن ترامب إسرائيل.. فما هو المخرج إذا؟