مرة جديدة تؤكد قيادة حركة حماس، أنها ليست جاهزة، ولا مستعدة لإحداث اختراق حقيقي في مسار المصالحة الوطنية. ولعل ما شهده اللقاء الأخير بين وفدي حركتي فتح وحماس يوم الاثنين الماضي في القاهرة يقطع الشك باليقين، ويضع النقاط على الحروف، ويزيل الغشاوة عن عيون الواهمين بـ "صدق" نوايا وسياسات" فرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين تجاه الشراكة السياسية، وهذا ما شهد عليه الإخوة المصريون مباشرة وعلى أرض الكنانة، حيث بادر خليل الحية في الاجتماع المذكور برفض إجراء الانتخابات بالتوالي خلال فترة ستة أشهر، كما تم الاتفاق عليه في إسطنبول بين الوفدين في مطلع الثلث الثالث من أيلول/سبتمبر الماضي (2020)، ووضع الذي له من اسمه نصيب خيارين الأول إما أن تجرى الانتخابات بالتزامن (يقصد انتخابات التشريعي والرئاسة والوطني)، أو تقوم السلطة بإجراء انتخابات وحدها دون مشاركة حماس ومن معها، وأرفق الخيار الثاني بـ "كرم" زائد منه ومن أقرانه في قيادة الانقلاب، "أنهم لن يعطلوا إجراءها"، وهو ما فجر وأنهى الحوار والتفاهمات كلها.
مع العلم أن جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح عبر اتصالاته مع كل من إسماعيل هنية، رئيس حركة حماس، وصالح العاروري، نائب رئيس الحركة أبلغاه موافقتهما على إجراء الانتخابات بالتوالي، وأكدا تراجعهما عن خيار التزامن. وهذا ما تم إبلاغه للإخوة المصريين، والذين بدورهم ممثلًا عنهم اللواء أحمد عبد الخالق، قاموا بالاتصال مع الثلاثة هنية والعاروري وخليل الحية، وأكدوا جميعًا له، أنهم ملتزمون بما تم الاتفاق عليه في إسطنبول في أيلول الماضي، أي بالتوالي وخلال ستة أشهر. لكنهم في الاجتماع الأسبوع الماضي عادوا إلى دوامة المماطلة والتراجع عن روح الاتفاق، ما أعاد الأمور إلى نقطة بعيدة للوراء، حتى لا أستخدم تعبير العودة للمربع صفر. ودفع ممثلي فتح جبريل الرجوب وروحي فتوح أولاً للرد على منطق العربدة الحمساوي، والتهرب من الالتزام بما تم الاتفاق عليه، وثانيًا أكدا أن السلطة الوطنية وحكومتها الشرعية ستتوقف عن تمويل الانقلاب الأسود، وهذا ما أعلنه أمس الأول الاثنين فتوح في لقائه مع فضائية فلسطين في برنامج "ملف اليوم".
كما أن الإخوة المصريين، رعاة المصالحة حملوا بوضوح لا لبس فيه حركة حماس المسؤولية عن إفشال الحوار، لأنهم أولاً تابعوا بشكل مباشر مع أركان الحركة استكناه موقفهم، وثانيًا واستنادًا إلى ما استمعوا إليه من ممثلي الفريقين فتح وحماس، وتأكيدهما على الاتفاق، تمت دعوتهما للقاهرة للتوقيع عليه، ومن ثم تحديد مواعيد إجراء الانتخابات المتوالية، وأخيرًا الدعوة لاجتماع للأمناء العامين وإصدار المرسوم الرئاسي للشروع بإجراء الانتخابات بمستوياتها الثلاثة. وأدركوا للمرة الألف، أن فرع جماعة الإخوان لن يمنحوا مصر شرف النجاح في رعاية المصالحة.
وبناءً عليه، تؤكد الحقائق الموضوعية، أن الاستنتاج العلمي والسياسي لما جرى يشير بوضوح إلى أولاً أن حركة حماس ليست مستقلة في قراراتها، وهي أسيرة أجندة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين؛ ثانيًا تراهن على إمكانية عودة إدارة بايدن الأميركية لخيار إدارة أوباما/ كلينتون (هيلاري) بإعادة الاعتبار لدور الإخوان المسلمين في المنطقة؛ ثالثًا إن حركة حماس عمومًا، وقيادة الانقلاب في قطاع غزة خصوصًا ليسوا مستعدين للمصالحة، ولديهم إصرار على المضي قدمًا في خيار تأبيد الإمارة في غزة على حساب مصالح الشعب العليا؛ رابعًا رفض منح الشقيقة الكبرى مصر شرف رعاية المصالحة، وتوقيع الاتفاق على أراضيها، وفي ذات الوقت توجيه لطمة قوية للدور المصري. وهي بذلك تؤكد انغماسها حتى النخاع مع سياسات التنظيم الدولي للإخوان عموما، وفرع الجماعة في مصر العربية؛ خامسًا الإصرار على الهروب للأمام من استحقاقات المصالحة؛ سادسًا تغليب مصالح لصوص الشعب المستفيدين من الانقلاب في غزة.
مع ذلك، أعتقد أن روح الخطاب الإيجابي، الذي انتهجه الرجوب يوم الأحد الماضي في لقائه الإعلامي، ولم يسقطه فتوح في حواره في ملف اليوم أيضًا يبقى مشروعًا ومنطقيًا، وذلك لقطع الطريق على خيار حركة حماس الانقلابي، ولمنح الشعب العربي الفلسطيني بعض الأمل، رغم أنه بات شبه يائس وفاقد الأمل بالمصالحة نتيجة المراوغة والذرائعية الهروبية الإخوانية الإسلامية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها