يعرف أصحاب النوايا الحسنة، والذين لا يتصيدون في المياه العكرة، أن العمل النضالي الفلسطيني في ساحاته المختلفة، التفاوضية خاصة، وبمواقفه التي تظل محكومة بالمصالح الوطنية العليا، إنما هو عمل الاشتباك الصعب والشجاع، والذي يتحمل مسؤولياته، ويتصدى لمهماته عادة، الوطنيون الذين لا مواقف لهم في السر - إن كان هناك سر- غير مواقفهم في العلن، وبما يعني في المحصلة، أن عملهم، ومواقفهم تظل تحت الشمس، ولو التبس ذلك على المتشككين الذين لا يجدون أنفسهم خارج إطار التشكيك بلغته الانفعالية!!
ولعل العالم بأسره بات يعرف، وعلى نحو اليقين، أنه ما من لغتين، ولا موقفين لقيادة الرئيس أبو مازن في صراعها مع دولة الاحتلال الإسرائيلية، والتي أقرت في هيئاتها الشرعية، المضي في دروب التفاوض لإنهاء هذا الصراع على قاعدة التمسك بالثوابت المبدئية، لانتزاع الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا الفلسطيني، في الحرية والاستقلال، بإقامة دولته الحرة، بعاصمتها القدس الشرقية، وتحقيق الحل الممكن لقضية اللاجئين وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
ما من لغتين ولا موقفين أبداً لقيادة الرئيس أبو مازن، لغة واحدة، وموقف واحد، واضح وراسخ ولا شك أن هذه الحقيقة هي أبرز ما يميز سياسة الرئيس، المناهض للجملة الاستهلاكية نصًا وروحًا، وحتى قبل أن ينتخب رئيسا لدولة فلسطين، والسلطة الوطنية، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولأن هذه الحقيقة على هذا المستوى من الوضوح والواقعية، أكد الرئيس أبو مازن خلال استقباله عضوي مركزية فتح جبريل الرجوب وروحي فتوح ليستمع منهما لما كان من حوار مع حركة حماس في لقاء القاهرة الأخير، ومخرجات هذا اللقاء، أكد أن مسار بناء الشراكة الوطنية، من خلال الحوار الشامل، والثنائي سيظل خيارنا الأول، ولا يتأثر بأية تحولات إقليمية أو دولية، بما يعني أن وصول الديمقراطي الأميركي جو بايدن لسدة الحكم في الولايات المتحدة، وقرار عودة العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، والذي لقي ترحيبًا لافتًا من الاتحاد الأوروبي، لن يكون لذلك أي تأثير على المسارات الاستراتيجية الوطنية، للحد من المضي في دروبها، ولا بأي حال من الأحوال.
ولأنه لا وجود للغتين ولا لموقفين للقيادة الفلسطينية، فإن عملها النضالي وأينما كان يظل راسخًا بمواقفه، التي لا تقبل التبدل، ولا التغير، ولا الالتباس، سواء كانت في غرف التفاوض، أو خارجها، وهذا هو معنى جملة "مواقفنا مشرفة في السر والعلن وما يحكمنا هو مصلحة شعبنا" والتي قالها عضو مركزية فتح الوزير حسين الشيخ، في رده على الذين راحوا يشككون بوطنية قرار إعادة العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، وهم يعرفون أن هذه العلاقات، وقبل أن تعلن القيادة الفلسطينية أنها في حل من الالتزام بالاتفاقيات الموقعة التي أفرزت العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، كانت دائمًا علاقات صراع، وهكذا ستبقى حتى إقرار التسوية النهائية للقضية الفلسطينية، وبالطبع فإن المعنى هنا هو التسوية العادلة.
يبقى أن نوضح أن عبارة "في السر والعلن" إنما هي عبارة القول المجازي، الذي يضع السر في مقام العلن، فلا يعود السر سرًا، ولا يقول هذه العبارة، ويؤكدها سوى السائرين في دروب النضال الصعبة، والمكلفة، والذين في سبيل انتصار قضية شعبهم، ووطنهم العادلة، لا يخشون في الحق لومة لائم، وهم ماضون في هذه الدروب الصعبة والمكلفة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها