يستحيل أن يكون الصراع الداخلي في أميركا بين الجمهوريين الذين حولهم ترامب إلى نمر من ورق، وخصومهم الديمقراطيين الذين فاز مرشحهم جو بايدن بانتخابات الرئاسة هذا العام 2020، ورغم كل المماطلات وكل المعوقات من ساكن البيت الأبيض الحالي الذي سيغادر قريبًا، يستحيل أن يحدث كل ذلك دون أن تتأثر به منطقة الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل، وقد يكون التأثير عاصفا جدا لا يمكن حصر نتائجه بسهولة، نتنياهو كان طوال الوقت يتصرف على أساس أن حليفه ترامب ما زال أمامه أربع سنوات في البيت الأبيض، بوجوده سيتقاطر المطبعون في الوطن العربي في طوابير طويلة، طوابير التطبيع المجاني التي تشبه طوابير الخراف الذاهبة إلى المذبح بصمت شديد.
لكن هذا الرهان من نتنياهو ومن هدف التطبيع لم ينجح ولن ينجح لأن الأمة العربية والإسلامية لديها مقومات أخرى، والشاعر العربي القديم قال "وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر" والبدر المنير هنا هو الشعب الفلسطيني المستمر بالوجود في وطنه ومن خصائصه النوعية المبهرة أنه لا ينسى، ولا تلين له قناة، بل هو يأتي بنماذج من الصمود والبطولة بما لا تأتي به الأوائل، وأكبر مثال على ذلك هو الانتفاضة، وأكبر مثال على ذلك أيضًا، أنه حين يقول لا فانها تكون حاسمة، وحين يقولون نعم تورق الكروم.
على خلفية استطلاعات الرأي في إسرائيل بشأن توقعات نتائج الانتخابات الرابعة، فإن النتائج ستكون "28" لصالح الليكود الذي يرأسه نتنياهو الذي حوله عبر سنوات طويلة "إلى شاهد لم يرَ شيئًا" أما حزب "يميننا" الذي يتزعمه بينت فسيحصل على "22" مقعدًا، وهذا معناه أن اليمين المتطرف في إسرائيل سيشكل الحكومة الناتجة عن الانتخابات الرابعة، وأول رد فعل بخصوص هذه الاستطلاعات، فإن نتنياهو قال "إن بيني غانتس الشريك في الحكومة عبر اتفاق التبادل" سنتان لنتنياهو يعقبها سنتان لبيني غانتس، هذا الاتفاق لم يعد قائمًا، وأن نتنياهو لن يسلم لبيني غانتس الحكومة حسب الاتفاق، وعلى الفور فإن بيني غانتس يريد مجددا التحقيق في صفقة الغواصات التي اشترتها إسرائيل من ألمانيا، وقيل وقتها إن نتنياهو وافق على أن يبيع ألمانيا هذه الغواصات لمصر مقابل رشوة بالملايين "قيل وقتها إن الرشوة بلغت 29 مليون دولار وضعها نتنياهو في جيبه أو في حسابه".
وهكذا فإن الاشتباك الإسرائيلي الداخلي قد بدأ أو على وشك أن تبدأ لأن نتنياهو سيتحالف مع "بينيت" رئيس حزب "يميننا"، صحيح أن هناك تسجيلات يظهر فيها صوت نتنياهو يقول عن بينت إنه مجرد "كلب صغير" لكن المعركة ساخنة، ولا مجال فيها للتوقف عند الصغائر.
طبعا، نحن فلسطينيا نقرأ الخارطة جيدًا، ولا أتوقع أن نقدم لأعدائنا المتقاتلين في إسرائيل فرصة ليوحدوا صفوفهم والمثل الشعبي عندنا واضح كل الوضوح "فخار يكسر بعضه"، ولا أتوقع ان يطل علينا من جديد أصحاب الجملة الثورية الفارغة بالصراخ وانفصام الأدراج من جديد، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدت، ففي بعض الأحيان فإن ابتلاع الألسنة في الحلق هي الخيار الأسلم فيا لنا كم عانينا من الجمل الثورية الفارغة فقد قال المثل القديم "تركته يشتمني وفاز بالابل" نحن نريد أن نفوز بالابل.. إننا نستحق، وعسى أن يكون رد فعلنا الحكيم هو أن نستمر في العمل الجاد للوصول إلى المصالحة التي ستوصلنا إلى الانتخابات الآمنة، وأدعو الله أن تستمر خطواتنا على الطريق الصحيح ولا نتوه في ضجيج الجمل الثورية الفارغة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها