رحل، وفي لحظة رحيله لم يكن لينسى واجبه نحو فلسطين، ملفوفًا بعلمها، وبحطة رجالها الشجعان، ومحمولًا على أكتاف أبنائها، راح يحقق لها استفتاء فريدًا من نوعه، استفتاء أجمع على حبها، وعدالة قضيتها، وسلامة مسيرتها النضالية، بكلمات التعزية المواساة التي انهالت برسائل، وبرقيات، واتصالات هاتفية، فلسطينية، وعربية، ودولية، واسعة وحميمة على الرئيس أبو مازن الذي ودع بالأمس ومن حوله عدد من أعضاء القيادة الفلسطينية الراحل العزيز القائد الوطني الكبير صائب عريقات، أبا علي، الذي علا كوكبًا في سماء فلسطين.
البرقيات وبيانات النعي والرسائل والاتصالات الهاتفية جميعها قالت بكلمات المواساة كم كان صائب عريقات فلسطينيًا في مواقفه ونضاله السياسي والتفاوضي، في سبيل انتصار قضية وطنه، وشعبه العادلة، وبقدر ما كانت واضحة في هذا السياق، بقدر ما عنت أن فلسطين تظل قبلة المشاعر الصادقة والكلمات الحميمية برغم التباسات السياسة وخطاباتها البرغماتية.
ما من مشاعر أكثر صدقًا من مشاعر الحزن والمواساة، جمعها عريقات برحيله المفجع، ليقدمها لفلسطين وقائدها، وأبناء شعبها، ولو لم تكن قضية فلسطين في وعي وضمير الأمة، والعالم، بليغة العدالة لما كان من الممكن أن تحظى بهذا القدر من كلمات التعزية برحيل قائد من قادة مسيرتها النضالية وأي قائد هو صائب عريقات الذي ما عرف يومًا لحظة من السكون والتراخي والتردد والتراجع حتى أنه كان كمثل ذلك السيل الذي حط من عل، دون أن يكون مدبرًا بل ظل على الدوام مقبلاً ومكرًا في ساحات العمل والنضال الوطني، ومنذ أن وضع كوفية الثورة على كتفيه، في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 من القرن الماضي.
قبل ذلك نعرف كانت الكوفية في قلبه، كما هي فلسطين، الشعب، والقضية والتطلعات العادلة والمشروعة، ولم يكن عريقات يومًا إلا هو الوطني الفلسطيني الذي أعلن غير مرة اعتزازه بكونه كان جنديا تحت إمرة ياسر عرفات وأنه بات ذات الجندي وبذات الاعتزاز تحت إمرة الرئيس أبو مازن.
هل نقول تكفيه شهادة الخصوم فيه بأنه كان الصلب العنيد في دفاعه عن أهداف وتطلعات شعبه، في المفاوضات الماراثونية لأجل إقرار تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، اقرأوا تغريدة التعزية "لجيسون غرينبلات" لتعرفوا كم كان عريقات أمينًا على ما كان يحمل من أهداف وطنية في تلك المفاوضات، وكم كان صلبا فيها وغير قابل للمساومة، ولأنه كان على هذه الطبيعة الفلسطينة، كان بحق كبير المفاوضين.
لن تنسى فلسطين ابنها البار صائب عريقات ولن تنسى أريحا على وجه الخصوص هذا الابن الذي طالما كان فرحًا بها مدينة للقمر وحاضرة أولى في التاريخ الحضري للبشرية، عشرة آلاف عام في عمرها جعلت من صائب عريقات صائبا في تحضره وثقافته وعميقا في انتمائه الوطني والإنساني .. ولهذا عم الحزن النبيل على فقدانه .. وسلامًا أيها الراحل العزيز.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها