هل كان آرثر جيمس بلفور يعلم أن أحفادًا لا صلة لهم بدمه وعرقه سيخلفونه في استكمال الجريمة ضد الإنسانية التي ابتدأها في الثاني من نوفمبر من العام 1917 يوم منح رؤساء المنظمة الصهيونية وعدًا لتمكينهم من إنشاء قاعدة يقيمون عليها منظومتهم الاستيطانية العنصرية في فلسطين – وطننا التاريخي والطبيعي - التي كانت تحت سيطرة امبراطوريته العظمى باعتبارها دولة الانتداب الاستعمارية حينها ؟! أم أن موقفه السلبي عمومًا من يهود اليديشية الهاربين من شرق أوروبا إلى بريطانيا عندما كان رئيسًا لحكومة بريطانيا من 11 يوليو 1902 إلى 5 ديسمبر 1905 جعله يفكر بالتخلص منهم بوعده الذي دفعهم به الى اتون منطقة صراعات ساخنة، ورمال متحركة، لعلمه المسبق أنهم لن يعمروا فيها حتى وإن استقروا إلى حين بفضل دعم دول استعمارية كبرى كانت حريصة على استخدام وتوظيف رؤوس المنظمة الصهيونية ويهود الدويلة المنوي انشاؤها والتي أنشئت فيما بعد بقرارات أممية لخدمة مصالحها الاستعمارية .. فآرثر بلفور تبنى " قانون الغرباء بين عامي ( 1903)و(1905) " كان يعمل على التخلص من فائض اليهود في أوروبا بالتوازي مع دعم المنظمة الصهيونية لتوطين اليهود المهاجرين في مكان ما خارج القارة،حتى نضجت الفكرة وحان موعد طرحها عندما تولى وزارة الخارجية البريطانية مابين 1916 و1919.
هنا لا بد من الوقوف عند ما كتبه الدكتور محمود عباس رئيس دولة فلسطين في كتاب (الصهيونية بداية ونهاية) للتفريق بين الصهيونية كمنظومة صممت للاستخدام كأداة استعمارية، واليهود الذين ينتمون إلى جنسيات وأعراق عديدة، فكتب في الصفحة التاسعة :" نحن في هذا نظلم ملايين اليهود الذين لا يؤمنون بالصهيونية كعقيدة سياسية وأسلوب، بعضهم يرفضها استنادًا إلى تعاليم الدين اليهودي، والبعض يرفضها لأنه لا يرى أنها الحل الصحيح للمشكلة اليهودية، - إن وجدت هذه المشكلة – والبعض الآخر يرى أنها خلقت في العالم مشكلة اسمها المشكلة اليهودية لم تكن موجودة في الماضي " .
لو قرأنا وقرأ العالم معنا، وعلى وجه الخصوص اليهود في ( إسرائيل ) وعد بلفور بحيثياته التاريخية، والظروف التي سبقت إصداره، وقرأنا كتب " الوجه الآخر..العلاقات السرية بين النازية والصهيونية " و" إسرائيل وجنوب أفريقيا العنصريتان " و "الاستقطاب الديني والعرقي في إسرائيل" للدكتور محمود عباس رئيس دولة فلسطين، لتوصلنا وتوصل العالم معنا إلى قناعة بأن الشعب الفلسطيني كان الضحية رقم واحد في الجريمة ضد الإنسانية التي ارتكبتها بريطانيا العظمى، وأن أرض فلسطين الوطن التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني كانت مسرح الجريمة التي استخدم فيها بعض يهود أوروبا كأدوات تنفيذية بتنسيق وتكامل أدوار مع ( رؤساء المنظمة الصهيونية ) بعد حوالي عشرين عامًا من انعقاد أول مؤتمر صهيوني في بازل في العام 1897.. وهذا يعزز اعتقادنا بأن الخطوة الأولى لمحو آثار هذه الجريمة يجب أن يبدأها الجمهور الاسرائيلي المعني بسلام حقيقي قائم على أساس قرارات الشرعية الدولية، والاقرار بحق الشعب الفلسطيني في إنجاز استقلاله في دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، إذ يكفي هذا التحرر والتطهر من آثار جريمة وعد بلفور التاريخية لإفهام بريطانيا أن الصهاينة اليهود الذين قبلوا وتعاونوا معها على إنشاء (كيان) على أرض وطن الشعب الفلسطيني فلسطين، كانوا السبب الرئيس في وضع اليهود بين حجري رحى الحروب والصراعات، وتنمية الكراهية والعداء لهم ليس في المنطقة وحسب، بل في الكثير من مناطق العالم.
لم يكن آرثر بلفور صاحب أول وعد بانشاء ( كيان ) لليهود وإنما سبقه وعد روسي وآخر ألماني حصل عليه هرتزل من القيصر "غليوم الثاني" وقبلهما وعد نابليون قبل حوالي مئتي عام، ولم تكن فلسطين إلا واحدة من الخيارات رسا عليها أصحاب المشاريع الاستعمارية الكبرى بعد طرح الأرجنتين وأوغندا والمقصود بها كينيا والتي كانت ستُسمى "فلسطين الجديدة" حتى أن تيودور هرتزل كان موافقًا على المشروع، مع 295 صهيونيًا مُقابل 178 كانوا ضدّه في المؤتمر الصهيوني السادس .
لفت نظرنا أثناء قراءة سريعة في موسوعة " اليهود واليهودية و الصهيونية " للدكتور عبد الوهاب المسيري – رحمه الله - توجه المنظمة الصهيونية نحو انشاء (دولة لليهود) في منطقة الاحساء في المملكة العربية السعودية ولكن بعد ليس قبل تشكيل جيش من شباب يهود شرق أوروبا (30 ألف مقاتل ) يتخذ من البحرين قاعدة تدريب تمده بريطانيا الاستعمارية وحلفاؤها بالأموال والمستشارين العسكريين الأكفاء، للانقضاض على منطقة الإحساء والسيطرة عليها لإنشاء نواة "دولة اليهود"...فيما كانت أفكار انشاء الكيان في ( برقة - ليبيا ) و( العريش في سيناء مصر ) قيد البحث والدراسة.
السؤال الآن من جزأين، الأول : هل كانت فلسطين قاعدة ارتكاز استعمارية استخدمت فيها اليهودية والصهيونية كأدوات، أم أن الصهيونية تطورت وأصبحت منظومة استعمارية بحد ذاتها، بحكم واقع سيطرتها وتحكمها بأدوات قيادة ومال وإعلام وأمن استخبارات في دول عظمى وكبرى، كادارة دونالد ترامب في الولايات المتحدة التي يبدو أنها تمضي الآن بمخطط (إسرائيل من الفرات إلى النيل )، والجزء الثاني من السؤال : ألا يعني اختراقاتها العميقة في الامارات والبحرين والسودان أمرًا خطيرًا للأشقاء العرب عمومًا وفي الجزيرة العربية تحديدًا؟!
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها