كانت وما زالت منظمة التحرير الفلسطينية الإنجاز السياسي الأهم في سجل تاريخ الشعب الفلسطيني الحديث، وأبرز انتصار على المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني حققه الشعب الفلسطيني في ميادين كفاح مفتوحة، متعددة الاتجاهات والأساليب والأدوات، فالمنظمة كانت ماء الشعب الفلسطيني التي كبحت جماح نيران الصهيونية التي لو استمرت مستعرة دون وجود المنظمة لكانت الصهيونية- وهي الأداة العملية للقوى الاستعمارية- قد نجحت بتغيير وجه فلسطين التاريخية والطبيعية تمامًا، وتحويل الشعب الفلسطيني إلى رماد، وتجسيد مقولتها حول فلسطين بأنها: "أرض بلا شعب".

قد تفيدنا أحداث الأيام التي نعيشها، حيث محاولات أنظمة عربية استخدام القضية الفلسطينية كورقة مساومة لتحقيق مكاسب ذاتية سلطوية تحت عنوان كبير اسمه (المصالح)، في سياق حملة استعمارية جديدة سميت (صفقة القرن) أطلقها رئيس الإدارة الأميركية الحالي المشبع بمفاهيم الصهيونية العنصرية دونالد ترامب، سرعان ما استجاب لها المصابون بعقدة نقص تجاه الفلسطيني الناجح، الفلسطيني المتعلم، الفلسطيني الثائر، الفلسطيني الفدائي، الفلسطيني العاقل والحكيم، الفلسطيني المنتصر في زمن الهزائم، وخضع لها، ومضى زاحفًا لتطبيق بنودها دون أدنى ادراك لأهدافها وأبعادها، حتى أن بعضهم أصابه التضخم وظن بنفسه وهو القزم أنه قادر على تمثيل الشعب الفلسطيني وأخذ مكانة منظمة التحرير الفلسطينية في تمثيل الشعب الفلسطيني، فظنوا أنهم بعد تمرير خيانتهم لقيم وأخلاق ومبادئ شعوبهم، ونكوثهم بعهودهم وتوقيعاتهم على المبادرة العربية، يستطيعون القفز وتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية التي اصبحت وطنا معنويا للشعب الفلسطيني، وانعكاسا لصورة الدولة الوطنية، وصارت حقيقة مادية غير قابلة للإزالة أبدًا عن خريطة العالم السياسية، والجغرافية بعد أن صارت المنظمة دولة فلسطين في الأمم المتحدة.

رغم أهمية القرارات العربية والدولية فإن الإقرار والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، تجاوزت المفهوم الاعتيادي للقرارات التي تكتب على ورق وتعلن في مناسبات، وتؤرخ ويتم الاحتفال بها أو تذكرها، فالجامعة العربية اتخذت القرار قبل 46 عامًا من الآن وكذلك الأمم المتحدة وكثير من المنظمات والمجموعات السياسية في العالم، لكن ترامب ونتنياهو وكل المتساوقين معهما لن يستطيعوا إزاحة أو إزالة أو الغاء أو اقتلاع أو اجتثاث منظمة التحرير الفلسطينية لأن الأمر يتطلب منهم فعل المستحيل، أي اقتلاع وطن ورميه خارج المجرة، أي اقتلاع الشعب الفلسطيني بملايينه، واقتلاع أرض فلسطين التاريخية والطبيعية من جغرافية الكرة الأرضية، واقتلاع مدينة الله والمقدسات عند آلاف ملايين المؤمنين في العالم، اقتلاع السلام والمستقبل من عقول وقلوب أمة الانسان، وسيبقى أمامهم مستحيل آخر إن استطاعوا على المستحيل الأول وهو اقتلاع الإرادة السياسية والقانون الشرعي الناظم لحياة الشعب الفلسطيني والمعبر عن شخصيته الإنسانية الحضارية، فهنا أرض كانت تسمى فلسطين وصارت تسمى فلسطين وستبقى تسمى فلسطين.

قبل أيام أجمع العالم على رؤية رئيس الشعب الفلسطيني، رئيس دولة فلسطين، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية قائد حركة تحرره الوطنية محمود عباس أبو مازن لحل القضية الفلسطينية عبر مؤتمر دولي مرجعيته قرارات الشرعية الدولية، وهذا يعني إجماع على الحق، ونبذ الباطل (ترامب) يضرب رأسه برأس نتنياهو رئيس حكومة منظومة الاحتلال الاستيطاني العنصري، لعل المتساقطين تباعا في مستنقع التطبيع يعلمون أي منقلب قد انقلبوا، وأنهم في محاولاتهم لشطب منظمة التحرير الفلسطينية إنما كانوا يسعون لبناء قصور لأنفسهم من القش.

الإجماع العالمي في مجلس الأمن على رؤية الرئيس أبو مازن أثبت أن (م . ت. ف) كما عرفها العالم بهذه الحروف المختصرة كانت وطنا معنويا للشعب الفلسطيني، وصارت دولة وطنية لا شائبة عنصرية فيها ولا دكتاتورية، تحررية تنويرية تقدمية ديمقراطية، دولة لكل مواطنيها، وأن فلسطين هي الحقيقة الدائمة في هذه المنطقة الحساسة من العالم، رغم الظروف والوقائع الطارئة وما ينشأ عنها وعليها، وان رؤية منظمة التحرير للدولة الوطنية وحدها القادرة على مشاركة العالم الحضاري في نشر السلام وبناء منارات حضارية في مركز العالم فلسطين.