الحمد لله أن واحدًا منهم لم يذكر القدس، والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، وكأن التاريخ كان حريصًا على ألا يلوثها تابعون خاضعون أذلاء مجردون من قرارهم الوطني، فلا عبد الله بن زايد وزير خارجية دولة الامارات تجرأ، ولا عبد اللطيف الزياني وزير خارجية مملكة البحرين تجرأ على ذكر القدس- ولو من باب رفع العتب– على مسمع ومرأى مغتصبها ومحتلها بنيامين نتنياهو رئيس منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري الإسرائيلية، وأمام رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب الذي يتصرف كامبراطور استعماري جديد، وبلفور ثان عنصري وعد (اللوبي اليهودي) أثناء حملته الانتخابية باعتبار القدس عاصمة للدولة القائمة بالاحتلال (إسرائيل) ونقل سفارة واشنطن اليها، ثم نفذ وعده، ثم أمر حاكم عبد الله وملك عبد اللطيف بإرسال من يمثلهما إلى البيت الأبيض ليوقعا على خطته الاستعمارية المسماة (صفقة العصر) وشهادة الاعتراف والإقرار بضم القدس، وعلى قرار بإعدام حل الدولتين، وإقرار بأنهما اختارا الانتحار السياسي بالسقوط والوقوع في مستنقع عار بلا قاع ولا قرار.
تحدثا عن حل الدولتين كقراءة محرفي القرآن الكريم عندما يقرأون: "ولا تقربوا الصلاة" ثم يصمتون للأبد فكأننا- ومعنا الأمتان العربية والإسلامية- كنا نشاهد أول أمس مسرحية واقعية، أبطالها سكارى غائبون عن الوعي الوطني والقومي والإنساني أخذتهم النشوة من فعلة الغدر والخيانة حتى الثمالة والسقوط في ظلمة يوم أسود، فيما هما واقفان بكامل هيئتهما على درج البيت الأبيض، وعيونهما تائهتان تبحثان عن شرف ولو ضئيل لهذه اللحظة فلم يجدا إلا ظلهما واقعًا راكعًا.. هذا ما توقعناه ممن غدر بالمبادرة العربية ونكث عهده مع الأمة والقضية الفلسطينية وتوقيعه على وثائقها، فأسقطا تحت أعمدة شرفات البيت الأبيض نصًا ثابتًا في المبادرة العربية وفي منهج السياسة العربية عمومًا وطعنًا ثابتًا استراتيجيًا في السياسة الفلسطينية وهو اعتراف دولة الاحتلال إسرائيل بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران عاصمتها القدس الشرقية.
قدم ترامب مسرحية (تراجيكوميدية) على شرفة البيت الأبيض، وخلال فصولها حرصت شخصيتان عربيتان رسميتان (بكل أسف) ظهرتا ككومبارس لمنحه صورة بطل خارق قادر على صنع خير وسلام كمعجزة، فيما شخصية الشر بنيامين نتنياهو يحصد ثمار عنصريته وتطرفه وعدوانه على الشعب الفلسطيني واحتلاله للقدس وانتهاك سلطاته والمستوطنين المقدسات الإسلامية والمسيحية، فيتحول بفضل خنوع وتبعية (الكومبارس) إلى بطل نال إعجاب جمهور دفع له لحضور المسرحية فيما المحترمون الكبار الفخورون بتمسكهم بثوابتهم ومبادئهم، قد رفضوا تلبية دعوة (المخرج) سيد البيت الأبيض، لأنهم لا يتحملون اسوداد وجوههم أمام شعوبهم وشعوب العالم عموما والشعب الفلسطيني خصوصا، لإدراكهم أنهم إن فعلوا وحضروا فإنهم لن يكونوا أكثر من أدوات في دعاية ترامب الانتخابية، وطوق نجاة لفاسد يحكم إسرائيل يسعى للتملص من قبضة القضاء بالاحتيال على القانون للخروج من دائرة مآزقه المتتالية، ولأنهم أعظم وأكبر من تقزيم أنفسهم أمام شعوبهم كما فعل (الكومبارس).
الموقعون على صفقة تسليم فلسطين بقدسها ومقدساتها لمنظومة الاحتلال العنصرية (إسرائيل) أمس الأول في البيت الأبيض ليس لديهم أدنى معرفة بطبيعة وخصوصية الصراع العربي الفلسطيني من جهة، والصهيوني الاستعماري الاستيطاني العنصري من جهة أخرى، وقد يفيدهم جهلهم هذا في تخفيض حكم التاريخ وشعوبهم والأحرار في العالم عليهم، لكنهم يعلمون، ويعرفون وكانوا على الأقل قد استمعوا إلى شهادة الرئيس أبو مازن التاريخية التي أدلى بها أمامهم في مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة في مطلع شهر شباط/ فبرار الماضي، وبين لهم بالتفصيل مكامن المؤامرة على الشعب الفلسطيني، وشخوصها، واستراتيجية الإدارة الأميركية في استخدام منظومة الاحتلال لتأمين مصالحها وكشف أمامهم وللأمة العربية كيف تدخلت الإدارة الأميركية لمنع نشوء سلام فلسطيني إسرائيلي.. في ذلك المؤتمر قدم رئيس دولة فلسطين بينات وأدلة للأشقاء العرب أصحاب القرارات العليا وللأشقاء في القواعد الجماهيرية المنظمة، وللأحرار في العالم ما يثبت أن "قرار دولة الاحتلال (إسرائيل الناقصة) ليس بيد منظومتها الحاكمة وإنما بيد الدولة الاستعمارية التي صنعتها وأنشأتها في فلسطين، قلب هذه المنطقة الحضارية من العالم وفي قلب منطقة المصالح والثروات الأساسية في الشرق الأوسط"، وراهن إن قدم واحد في هذا العالم ما يثبت خلاف ما طرحه على الهواء مباشرة على أسماع جماهير الأمة العربية وقواها الحية..لأن قائد حركة التحرر الوطنية الفلسطينية معني بتحرر الذهن العربي والذاكرة العربية، وبصيرة الإنسان العربي سواء كان في موقعه الجماهيري أو المسؤول العربي في موقع القرار والأمانة.
ما كاد الكومبارس ينزلون عن درج البيت الأبيض (المسرح) حتى فاجأهم ترامب برشقة فضائح من العيار الثقيل كشفت عوراتهم، إذ قال: "كانت دول عربية ثرية تعطي الفلسطينيين أموالاً فطلبنا منهم ايقافها لأنهم لا يحترموننا"، أما نحن فكنا نعرف أنهم قالوا لترامب سمعًا وطاعة!! ونفذوا قراره بمحاصرتنا ماليًا، ثم تمركز في مؤتمر صحفي بعد سويعات وقال: كنت قررت اغتيال الرئيس السوري بشار الأسد لكن وزير الدفاع ماتيس لم يوافق".. فهل كان حديثه عن قراره باغتيال رئيس دولة، رسالة مباشرة للكومبارس مستوحاة من رسائل زعماء عصابات المافيا؟! بالتأكيد هي كذلك ونعتقد أنها قد بلغتهم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها