عندما فشل ترامب بإقناع أي دولة ذات وزن وتأثير وتحترم سيادتها وقرارها الوطني لتنضمَّ له في انتهاك القانون الدولي، عبر الاعتراف بالقدس عاصمةً لـ(إسرائيل)، بدأ هو ونتنياهو البحث عن دول مفلسة ومن الدرجة الرابعة ليستغلَّ فقرها ويجبرها على فعل الخطيئة. هندوراس التي تفتتح مكتبًا دبلوماسيًّا تجاريًّا لها في القدس هي واحدة من هذه الدول.
ولكي نعرف طبيعة الصفقة الرخيصة، التي بدأ الثلاثي ترامب ونتنياهو ورئيس هندوراس هيرناديز طبخها منذ مطلع هذا العام، فإنَّ سارة نتنياهو هي مَن أعلن عن اكتمالها قبل أيّام، فهذه الصفقة الفاسدة كفساد صانعيها، هدف توقيت إعلانها الآن هو تقديم الدعم من ترامب لنتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية القادمة في 17 من الشهر الجاري.
وبغض النظر عن توقيت الإعلان وأطرافه الفاسدين، فإنَّ علينا أن نلاحظ خطورته على قضية القدس والقضية الفلسطينية عمومًا، فهناك دول عديدة كهندوراس يمكن أن يقوم ترامب بجلبها واحدة بعد الأخرى للاعتراف بالقدس عاصمةً لـ(إسرائيل). من هنا علينا نحن الفلسطينيين والعرب وضعُ قائمة بهذه الدول المحتملة، ومحاولة العمل معها، لثنيها عن الرضوخ لمشيئة ترامب، واطلاعها على أنَّ مثل هذا الاعتراف هو انتهاكٌ سافرٌ للقانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، والاتفاقات الثنائية الموقَّعة، وأنَّ عواقبه وخيمة على هذه الدول ذاتها، وعلى مجمل العلاقات الدولية، والشرح لها عن مخاطر المس بواقع القدس ومقدساتها على السِّلم العالمي.
ما تريدهُ (إسرائيل) من ظاهرة هندوراس، هو التسلُّل للدول الأهم والدول الكبرى، عبر الدول الهامشية أولاً، فمتى أصبح الموضوع واقعًا معمولاً به ومن دون أيّة ردّات فعل جدية من العرب، فإنَّ التسلُّل سيحقِّق أهدافَهُ. فقرار هندوراس الاعتراف بالقدس عاصمةً لـ(إسرائيل) يجب ألّا يُواجَه ببيانات إدانةٍ واستنكار، وإنّما بفعل، وفي مثل هذه الحالة وقفُ كلِّ التعاملات الاقتصادية مع هذا البلد.
لقد أمسك ترامب باليد الضعيفة لهندوراس، وهي الفقر والمهاجرون من هذا البلد الذين هدّد ترامب قبل عام بإبعادهم من الولايات المتحدة، إذ هناك عشرات الآلاف الذين يأتون من هندوراس إلى أميركا عبر المكسيك. لقد قايض ترامب الهجرة والفقر بالاعتراف بالقدس عاصمةً لـ(إسرائيل).. فهل هناك مُقايضٌ أكثر خِسّة من ذلك، أن يُقايض رئيس دولة عظمى فقر دولة بأرض وحق شعب آخر.
وعلى الشعب في هندوراس أن يُدرك أنّ رئيسه المستسلم لترامب إنَّما يرتكب جريمة حرب لأنّه ينتهك بشكل سافر للقانون الدولي ومن هنا جاء الموقف الفلسطيني بتقديم شكوى لمحكمة الجنايات الدولية ضدَّ حكومة هندوراس، المتورّطة بانتهاك القانون الدولي.