لا يخفى على أحد حالة الطوارئ التي نعيشها هذه الأيام لمواجهة وباء الكورونا، وكذلك الحالة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني وخاصة إغلاق المدارس وانقطاع التعليم الصفي المباشر، وهذا ألقى بظلاله على علاقة الطالب بالمحتوى التعليمي، كما أن عملية الانتقال إلى التعليم الإلكتروني جاءت سريعة وبدون مقدمات، فهي تحتاج إلى كثير من الإجراءات والخطوات والتي ذكرتها في مقالات سابقة، ولِعل واحدة من أهم تلك الإجراءات هي تقييم عمل وتعلّم الطلبة الذي يقدم لهم الكترونيًا.

من المعروف تربويًا أن عملية التقويم هي جزء من عملية التخطيط للتعليم، وإنها عملية مستمرة تبدء من لحظة التخطيط وتنتهي عند الانتهاء من تقديم الأهداف وشرحها للطالب وصولاً إلى فحص مدى تحقق تلك الأهداف، وهذه العملية وأقصد عملية التقويم تحتاج إلى عملية ضبط ومصداقية لمعرفة نقاط القوة التي حققها الطالب ونقاط الضعف التي أخفق فيها، وهذا من شأنه وضع الخطط العلاجية لتعزيز نقاط القوة ومعالجة الضعف، وهذا يتحقق فعليًا في عملية التعليم الصفي المباشرة، ولكنها تغيب (حاليًا) في التعليم الالكتروني ،لأسباب كثيرة منها أنه قد يتلقى الطالب المساعدة من قبل ولي أمره أو إخوته أو أنه قد يلجأ للكتاب أو لموقع الكتروني ليحصل على الإجابات، فماذا نفعل في هذه الحالة؟ وما هي الأولوية التقييم أم التقويم؟ أم الأولوية لزيادة تفاعل الطالب ورفع دافعيته لينخرط بعملية التعليم الالكتروني؟

أسئلة مشروعة ومهمة نحتاج إلى الإجابة عنها وفق الحالة التي نعيشها، والظرف المفروض علينا، وهنا لا بد من توضيح ما نقصده بالتقويم وأنواعه وأهدافه، قبل الخوض بالإجابة على تلك التساؤلات وقبل معرفة ما هو المطلوب بأن يكون أولوية حالية.

يعتبر التقويم أساس عملية التطوير والتجديد، ويعتبر جهاز الكشف عن مواطن الضعف والقوة في عملية التعليم والتعلّم، وادخال التحسينات عليها، وتطويرها، وتجديدها، فعملية التقويم تعتبر العنصر الهام  من عناصر العملية التعليمية التعلّمية، وتتميّز باستمراريتها، فهي دائمة ما دامت العملية التربوية مستمرة، وهي شاملة، حيث تراعي جوانب النمو المختلفة، كالجوانب المعرفيّة، والحركيّة، والانفعاليّة، فهي تحدث توازن في تنمية شخصيّة الطالب.
ويصنف التقويم حسب توقيت حدوثه إلى ثلاثة أنواع هي التقويم التمهيدي أو القبلي والتقويم التكويني أو البنائي والتقويم الختامي أو النهائي حيث يمكن بإيجاز توضيح الفرق بين الأنواع الثلاثة كما يلي:

أولاً: التقويم التمهيدي (القبلي): ويعرف بالتقويم التمهيدي والاستهلالي والاستفتاحي ويتم قبل البدء في تنفيذ العملية التعليمية، والهدف منه تكوين صورة أولية عن وضع الطالب في المادة التعليمية قبل البدء بتقديمها، ويتلخص بما يقوم به المعلم لمعرفة الخبرات السابقة لطلبته والمرتبطة بالمحتوى الجديد الذي سيقدمه لهم.

ثانياً: التقويم البنائي (التكويني): ويتم خلال العملية التعليمية وبين مراحلها وخطواتها وإجراءاتها، ويقدم تغذية راجعة مستمرة في جميع المراحل أولاً بِأول حيث يبين نقاط القوة والضعف، لِتعديل ما يلزم بِشكلٍ بنائي ومستمر، ويتم من خلال عدة طرق وأدوات كالأسئلة الشفهية والاختبارات القصيرة وأوراق العمل والحل على السبورة، ويهدف إلى تشخيص ما اتقنه الطالب وما فشل في تحقيقه في وقت مبكر، ليتمكن المعلم من معالجة الخلل، كما يتم من خلاله تقديم التغذية الراجعة والتي تبين مواطن الخطأ لدى الطالب، ويهدف أيضًا إلى التصحيح والتصويب بالإضافة إلى التعزيز ورفع دافعية الطالب نحو التعلّم.

ثالثاً: التقويم الختامي (النهائي): ويحدث بعد الانتهاء من عملية التعليم، حيث يتم تعريض الطلبة لمجموعة من الأدوات والاسئلة يمكن من خلالها تحديد فهمهم واستيعابهم للدرس وعادة يحدث هذا النوع من التقويم في نهاية الدرس أو الوحدة أو الفصل الدراسي، ويهدف كذلك الى إعطاء الدرجات ومنح الشهادات والتنبؤ واتخاذ القرارات تتعلق بالترفيع للصف اللاحق، ولتقديم تغذية راجعة تسمح بتشخيص الأداء وتصحيحه، ولتمكن الجهاز التعليمي من المقارنة بين نتائج المجموعات.

أن الهدف من تقديم مفهوم التقويم وأنواعه وأهدافه لم يكن عبثًا، ولا محاولة في إطالة المقالة، بل من أجل أن أضع القارئ العزيز في حالة الهدف من التقويم وأن يكون لديه فهم شامل نوعًا ما لما نحن بحاجته اليوم في حالة الطوارئ هذه، وانقطاع الطالب عن معلمه ومدرسته، ولمعرفة ما نريد اليوم من التقويم وما هي الأهداف التي يجب أن نحققها في عملية التعليم والتعلّم الالكتروني.

ولهذا مما لا شك فيه فإن المعلم اليوم لا يستطيع أن ينفذ عملية التقويم بتفاصيلها التي ذكرت سابقًا، فالمعلم نعم يستطيع إعداد أوراق العمل والاختبارات الإلكترونية، ويستطيع تقديم التغذية الراجعة لطلبته، ولكنه لن يكون قادرًا على الوثوق بإجابات الطلبة تمامًا، وقد لا يستطيع أن يحسن من تعلّم طلبته، وذلك أيضًا لأن الطالب ما زال غير متفاعل في عملية التعليم الإلكتروني، فالأولوية الان هي العمل على زيادة تفاعل الطالب في التعليم الإلكتروني، وتعزيزه ورفع دافعيته لرفع منسوب التفاعل الإلكتروني المنظم في العملية التعليمية التعلّمية، وبالتالي فإنه بات من الضروري الانتقال من عملية التقويم التقليدية التي تم تفصيلها في بداية المقالة والمعروفة لدى الجميع إلى إستخدام مفهوم جديد في التقويم يرقى للحالة الواقعية التي يعيشها الطالب وهي عملية التقويم الحقيقية المرتبطة بمهمات تقويمية حقيقية، تعتمد على الأداء وتنمية المهارات والقيم والاتجاهات، فالتقويم الحقيقي هو التقويم الذي يعكس إنجازات الطالب ويقيسها في مواقف حياتية حقيقية، ويعمل على تفاعل الطالب من خلال انغماسه في مهمات ذات قيمة ومعنى بالنسبة لهم، بعيدًا عن الاختبار السري التقليدي، ويمارس فيها الطالب مهارات التفكير العليا ويوائمون المعرفة ويطبقوها في حياتهم اليومية وسياقاتهم الحياتية، ويستخدموها في حل مشكلات حياتية حقيقية يعيشوها، كتعزيز اتجاهات متعلقة بالوقاية من فايروس الكورونا والحد من انتشاره، كالاستفادة من الأدوات والتطبيقات الإلكترونية في عملية التعلّم والبحث ومهارات التعلّم الذاتي وبالتالي يصل الطالب إلى مفهوم التعلّم المستمر مدى الحياة.

إذًا وبعد هذا التقديم، فإن المطلوب اليوم من معلمينا أن يقوموا بتوجيه عملية التقويم إلى تطوير مهارات حياتية لدى الطلبة في حل المشكلات والبحث الذاتي والاكتشاف والانغماس والتفاعل في العملية التعليمية التعلّمية، أكثر من الاهتمام في إصدار الأحكام ووضع الدرجات لمحتوى التعليم، وكذلك من خلال هذه الإجراءات نستطيع أن نخفف من الضغوطات على طلبتنا، وتقليل التوتر من موضوع التعليم  والإمتحانات والدرجات، ونساعدهم كذلك على اكتساب مهارات حياتية مهمة كتنظيم الوقت والاستفادة من الوضع الحالي والنظر إليه بعين الإيجابية، وتوظيف تلك المهارات والمعارف في حل مشكلات حياتية أدائية نصل من خلالها إلى تعزيز قيم واتجاهات ذات معنى لدى الطالب.

المرجع( المجمع التدريبي العاشر" التقويم لتحسين نوعية التعلّم" ،برنامج تهيئة المعلم الجديد، المعهد الوطني للتدريب التربوي، 2020، وزارة التربية والتعليم الفلسطينية).

حلمي رؤوف حمدان