في الشهر الذي حدثت فيه نكبة الشعب الفلسطيني الكبرى، والمقصود شهر أيار/ مايو الجاري، فإن واقع القضية الفلسطينية من حيث الجوهر لم يتغير، وإذا نحينا جانبًا طبيعة المشروع الصهيوني، والذي هو مشروع صممه ودعمه ولا يزال الاستعمار العالمي للسيطرة على المنطقة، فإن القضية الفلسطينية، ومعها الشعب الفلسطيني لا تزال محلاً يتحرك فيه المتواطئون من الأشقاء والأصدقاء، والقضية لا تزال عرضة للاستخدام مرة ومرتين وألف مرة، وفي كلا الحالتين وبسببهما القضية تسير من معضلة إلى أخرى.

بِالطبع لا نعفي أنفسنا من المسؤولية، فإلى جانب نقص الوعي أحيانًا، وارتكاب الأخطاء في أحيان أخرى، فإن جزءًا مهما منا سمح للتواطؤ والمتواطئين بالتحرك وغض الطرف عنهم، وجزءا مهما من سمح لأطراف وأنظمة عربية وإقليمية لاستخدام القضية الفلسطينية، يمينًا ويسارًا، وتعامل مع المستخدمين وأعطوهم الغطاء الفلسطيني الذي يريدونه. بهذا المعنى نحن نتحمل بشكل أو بآخر المسؤولية، ولكن هذه المسؤولية لا ترقى بِأي حال إلى درجة القول إننا مسؤولون عن نكبتنا واستمرارها، فالمسؤولية بالأساس تقع على عاتق أصحاب المشروع الصهيوني وداعميه والمتواطئين معه وعلى الأطراف التي استخدمت ولا تزال تستخدم القضية الفلسطينية كورقة او لتمرير مشاريعها في المنطقة، وهي في حقيقة الأمر لا هم لها سوى مشروعها وتنفيذ أجندتها وما القضية إلا غطاء لدغدغة العواطف والتضليل عن المشروع الحقيقي.

تاريخ الاستخدام بدأ مع نشأة القضية ومع اكتشاف كم هي قضية محورية وعاطفية بالنسبة للشعب الفلسطيني والجماهير العربية ولكل أحرار العالم. أنظمة الانقلابات العسكرية العربية منذ مطلع الخمسينيات استخدمت القضية لتستمد منها الشرعية الشعبية من جهة واستخدامها كورقة لتعزيز وجودها ودورها الإقليمي أو لتقديم التنازل على حسابها مقابل أن تأخذ الضمانات الدولية لبقائها من جهة أخرى، وتكاد هنا لا تستثني أي نظام عربي وإقليمي وبتفاوت.

والمقصود بالتفاوت أن الفرق بين أن بعض الأنظمة والقوى الإقليمية قد استخدم القضية بِأبشع طرق الاستخدام وبكل التفاصيل. استخدموا دم الشعب الفلسطيني وتضحياته وحرفوا بوصلة نضاله لمصلحتهم ومصلحة مشاريعهم واجنداتهم التي لم يكن ضمنها يومًا تحرير فلسطين إلا كشعار.

المشكلة العويصة أن قوى من الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الظلم المتراكم والمركب كانت تنحرف بسهولة مع هؤلاء المستخدمين، وما أن تكتشف ذلك تكون دماء وتضحيات وجهد ونضال ومعاناة وزمن من عمر الشعب والقضية قد مر بلا أن يراكم لنا أي شيء.

أن درس النكبة الأكبر، ليس فقط درس التمسك بالارض والصمود عليها وعدم تكرار تجربة اللجوء، بل الدرس الأكبر هو إلا نسمح باستخدام قضيتنا من أي طرف كان، مهما كانت شعاراته رنانة وبراقة، وإلا نكون جزءا من هذا الاستخدام بدمنا وتضحياتنا، أي جهد نضالي فلسطيني يجب أن يكون جزءا من المشروع الوطني الفلسطيني وليس أي مشروع اخر، وأي خلاف يمكن أن يحصل في إطار المشروع يجب ألا يكون مبررا للانخراط بمشاريع أخرى. من يريد دعم النضال الفلسطيني نرحب به ولكن ليس مسموحًا لأحد التدخل بالشأن الفلسطيني الداخلي أو أن يحاول السيطرة على القرار الوطني الفلسطيني.

وفي التجربة الوطنية الفلسطينية لم يكن تأثير المستخدمين للقضية أقل خطرًا من المتواطئين، وفي كثير من الأحيان كان التواطؤ والإستخدام هو في خدمة المشروع الصهيوني ولكن كل على طريقته. لذلك فان الوعي، وعي الشعب الفلسطيني هو العامل الحاسم فكثير من المرات كنا ضحية للاستخدام سواء برضا البعض منا أو من دون أي رضا.

الصراع الفلسطيني مع الصهيوني، مع إسرائيل هو صراع معقد جدًا، فاذا كان واضحًا لدينا العدو المباشر وبعض الداعمين له، فإن الشيء الاكثر تعقيدًا هم هؤلاء المتواطئين والمستخدمين، والذين وإن بدوا مختلفين مع بعضهم البعض، فهم في نهاية الأمر أما خدم أو يلهثون ليتم الاعتراف بهم عند صاحب المشروع الاكبر.. فالحذر الحذر.

لدينا مشروعنا الوطني، وقد يكون مصابًا ببعض العيوب، وهذا أمر يجب أن نتوقعه بسبب تعقيدات وظروف القضية، ويجب أن نواجهه بمسؤولية وطنية، ولكن شرط النجاح أن نبقى معه في داخله ولا نخرج عنه تحت أي مبرر، فالإصلاح يأتي ضمن العمل في المشروع ذاته. لدينا منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيًا وحيدًا، ولهذه المنظمة برنامج قد نؤيده أو نختلف معه، وقد تكون المنظمة بحد ذاتها بحاجة للإصلاح والاستنهاض وهذا صحيح، ولكن نقوم بذلك من داخلها وليس بالخروج منها وعليها. كل شيء ممكن من داخل المشروع الوطني الفلسطيني وليس من خارجه والانخراط بأي مشاريع أخرى. اليوم نواجه مخطط الضم وتصفية القضية الفلسطينية، فلا تصدقوا أن أحدًا بالكون هو أحرص منكم على قضيتكم وأرض وطنكم التاريخي، لن يحك جلدك إلا ظفرك.