فلسطين ستتعافى من هذا الوباء بإذن الله وبهمة أهلها وبتضافر الجهود، وستعود الحياة لتدب في عروقها وشرايين نواحيها المختلفة، وسيبدأ الناس في الحديث عن ذكريات زمن الكورونا، وسيلاقي كل منا خليله مترددًا في المصافحة والقبلات، وستبدأ العجلة الاقتصادية في الدوران حاملة معها أعباء على أعباء لطالما حلم أهل هذا البلد بإزاحتها عن كاهلهم، والأمل بأن تعود حياتهم الاقتصادية أكثر ازدهارًا واستقرارًا.
نعم؛ جاء زمن الكورونا ليفتح جراح الماضي المشابه بالحجر مع اختلاف الهدف من ذلك، ففي السابق كان الحجر؛ حجرًا قسريًا اضطهاديًا من عدو سادي يتلذذ بعذابات كل من هو فلسطيني.
الحركة التجارية في زمن الجائحة اقتصرت على محلات السوبر ماركت والبقالة والمخابز والجزارين والصيدليات وكل ما هو ضروري ولسويعات محدودة، واعتاد الناس على قضاء حاجياتهم خلال تلك الفترات المحدودة، ودون مغالاة لعدم قدرة حدسهم على توقع المستقبل وإلى متى ستستمر الجائحة، وبدا المشهد في بدايته مختلفًا وغريبًا عما اعتاد عليه الناس.
وبدأ التأقلم، ولم تتوان العائلات من إتمام مراسم الزفاف لمن كانوا قد حددوها من قبل، وقبل زمن الكورونا، في مراسم متواضعة، ودون كل مظاهر الترف والمبالغة الصارخة، وأصبحت احتفالية الزواج لا تتعدى اليوم الواحد مناقضين بذلك كل المظاهر السابقة لاحتفاليات الزواج المعتادة من حيث الطبل والزمر والولائم، والسباق لتحقيق الأرقام القياسية في برامج حفلات الزواج؛ التي امتدت لعشرة أيام أحيانا.
أعاد الكورونا الهيبة لأهل الطب والعلم والهندسة، بعد أن طفى الاقتصاد والعولمة على السطح وطغى، وأصبح الأزواج والرجال أكثر قربا لزوجاتهم وأبنائهم وعائلتهم، وأصبح التعود سبيلا لتعظيم العواطف والترابط.
مراسم الدفن وبيوت العزاء اختلفت، فكان الحضور لبيت العزاء من باب المواساة ومشاركة الناس أحزانها واجبًا وضرورة من شمال الوطن حتى جنوبه، واليوم يُكتفى لتقديم التعزية بالاتصال الهاتفي أو المواساة بالمرور والنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح ذلك مطلبًا وجزءًا لا يتجزأ من خبر الوفاة والنعي.
عدنا في زمن الكورونا لزمن التكافل والتعاضد الأسري والعائلي والمجتمعي والعمل الطوعي؛ مستذكرين بذلك الانتفاضة الأولى وبدايات الانتفاضة الثانية.
ساعات الحضور اليومية في بيئة العمل أصبحت محدودة، وعوضا عنها حلت التكنولوجيا والعالم الافتراضي، وكأن العمل أصبح ليس بحاجة لكم الموظفين أو للمساحات المكتبية الفارهة.
الظروف الصحية الصعبة غيرّت أولويات الحياة، وأعادتنا لأزمنة ما كنا نتصور العودة لها، وأصبحت "خليك في البيت" هي المطلب الرئيس مغيرة في ذلك اتجاهات المواطنين، لتخلق تحولات لم تكن في الحسبان.
انقلبت رأسًا على عقب كل العادات والممارسات في زمن الكورونا، وتحولت اتجاهات وأولويات البشر لا في فلسطين وحدها، بل في كل أنحاء المعمورة.
فهل نجح الكورونا بإعادتنا لأزمنة لم يخطر ببالنا العودة إليها من جديد؟
وهل سيستمر تأقلمنا مع واقع زمن الكورونا؟ أم أننا سنعود لما كنا عليه كحبيس أصبح حرا طليقا؟
فسلوك البشر في كافة نواحي حياتنا بعد زمن الكورونا وفي الأيام القادمة كفيل بالإجابة على أسئلتنا.
فصح مجيد لاخوتنا المسيحيين، وكل عام والجميع بألف خير مع قدوم شهر الخير والبركة.
بقلم: مهند أبو شمّة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها