من المعلوم للجميع، أن أول نظام حماية اجتماعية للناس نادى به الإسلام وشيد له مؤسسة عرفت ببيت مال المسلمين، والحديث عن فضائل ذلك النظام وحسن منافعه، يطول بما لا يتسع له هذا المقال، لكن يكفينا فخراً أن ديننا الحنيف هو أول من رسخ أسس الحماية الاجتماعية في التاريخ.
ويعد المستشار الألماني "بسمارك 1815م – 1898م"، أول من أنشأ نظام التأمين الاجتماعي في الدولة المدنية الحديثة، بين عامي 1883م و1889م، وكان الاشتراك فيه إجبارياً لكل العاملين بأجر، كما أن تمويله كان يعتمد على مساهمات العمال وأصحاب العمل معاً، ولعب العمال وأصحاب العمل والدولة دوراً في إدارة ذلك النظام.
لاحقًا لذلك، طورت الدول تطبيقات أكثر حداثة للنظام نفسه، ومنها المملكة المتحدة في عام 1911م، وصممت برنامجاً عرف باسم (نظام التأمين ضد البطالة) وكان قائماً على الاشتركات، وكانت المشاركة فيه متاحة لعمال قطاعات (الصناعات الهندسية، وبناء السفن، والبناء والتشييد) فقط، فيما بعد أقرت الولايات المتحدة في عام 1935م قانون الضمان الاجتماعي خاصتها، الذي صنع أكبر مؤسسة ضمان اجتماعي في التاريخ.
وأثبتت تلك النظم، فعاليتها في حماية العمال وأسرهم من الجوع بعد تفشي البطالة خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، وخلال فترة الكساد العظيم في الولايات المتحدة والعالم في ثلاثينيات القرن العشرين، وخلال وبعد الحرب العالمية الثانية، وخلال وبعد الأزمة الاقتصادية العالمية في عامي 2008م – 2009م.
ماذا لدينا في فلسطين؟
عض العديد منا على أصابعهم؛ ندماً على هدر فرصة تأسيس مؤسسة ضمان اجتماعي، كانت متاحة لنا في وقت الرخاء، بسبب ما ألحقته جائحة الكورونا بنا وبِعمالنا وبِاقتصادنا الهش، ومن الواضح أن أياً من الأفكار الإغاثية أو الاستدراكية لتجاوز الأزمة لن تحل الازمة تمامًا؛ ولن تتمكن من تأمين باباً أمناً للخلاص المثمر من آثار الجائحة، التي ستضعنا وجها لوجه أمام أعظم مخاوفنا، وهو فقدان العمال والموظفين لوظائفهم، بعد تعطل الآلآف منهم قسراً عن عملهم، ودخولنا في مرحلة غير حميدة من انكشاف الأسر، وارتفاع معدلات الفقر، وتعزز هذا القلق بعد عرض منظمة العمل الدولية لتوقعاتها بخسران العالم لملايين الوظائف خلال وبعد الجائحة؛ وأفادت بأنه من المرجح أن يخسر العالم 195 مليون وظيفة، نصيب الوطن العربي منها 5 ملايين وظيفة، نصيب فلسطين منها حوالي 100000 وظيفة، وستكون قطاعات السياحة والفنادق والبيع بالجملة والتجزئة، والخدمات العامة وقطاع خدمات الأعمال والإدارة، في مقدمة القطاعات الاقتصادية الأشد تأثراً بضمور الوظائف وفقدان فرص العمل.
هنا تساءلت، يا ترى لو كان لدينا مؤسسة ضمان اجتماعي، هل كانت لتساعد شعبنا في مواجهة الآثار الناتجة عن هذه الكارثة؟ الجواب بكل تأكيد نعم.
إذا ماذا ننتظر؟ لنشرع معاً في إطلاق نداء عاجل موجهاً لأنفسنا مفاده: أن أعيدوا العمل بقانون الضمان الاجتماعي رقم 19 لعام 2016م على الفور.
لكي لا يبقى شعبنا رهينةً لأعطيات برامج التدخل الإغاثي التي لا تمتلك حلاً للمشكلات الكبرى التي يواجهها شعبنا، ليس لأنها تحرم الإنسان من حقه في حرية الاختيار في الشراء فقط، بل لأنها مؤقتة وقصيرة المدى، وتترك أثراً عميقاً من الإحساس بالذل والمهانة، وهذا لا يمكن أن يؤصل فينا قيم الحرية والاعتزاز بالنفس، إنما خطره كبير ومضاعف ومدمر للأجيال القادمة، وبديل ذلك هو الحصول على الأجر بشكل حر وكريم من صندوق الضمان في مثل هذه الحالات، على نحو يبقي كرامة الإنسان على حالها دون أي خدش ظاهر أو باطن.
وهذا يتطلب عملاً موحدًا وفوريًا من الجميع لإعادة العمل بقانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني، والدعوة لإنشاء صناديق مماثلة وفعالة كصندوق الادخار برعاية الحكومة، وإلزام أصحاب العمل برعاية مستخدميهم عبر نظام تأمين صحي يتضمن إصدار بوالص تأمين على الحياة، وتسديد نفقات جنازات المتوفين من العمال وغير ذلك من منافع تحصن الإنسان ضد الفقر ولا تتسبب بإفلاس المشغلين على نحو أكيد.
بقلم: إبراهيم الحافي
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها