يسعى رؤساء منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري في تل أبيب- السياسيون والأمنيون- في كل الاتجاهات والمسارات، ويوظفون قدراتهم المادية والبشرية، ومنها أدواتهم الاستخبارية، على رأسها عملاؤهم، ووسائل إعلام مدفوع لها سلفًا ناطقة بالعبرية وأخرى بالعربية، وبعضها بلكنة فلسطينية– بِكل أسف- إلى جانبها وسائل ناطقة بلغات عالمية، لتقويض أركان قيادة الشعب الفلسطيني السياسية عموما، عبر تركيز أشعة ليزر إشاعات (الطابور الخامس) على الرئيس أبو مازن خصوصًا، تمهيدًا للحظة إعلان ضم أراض في الضفة الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 إلى سلطة هذه المنظومة (دولة الاحتلال) التي اتفق عليها قطبا الحرب والتوسع والقوانين العنصرية غانتس ونتنياهو أي (الليكود ولافان كحول).
قد يفسر البعض انطلاق الحملة الإعلامية الجديدة على الرئيس أبو مازن، ونشر تقارير مفبركة (ضعيفة المستوى) بخصوص خلافات بين مستويات قيادية فلسطينية أنها بسبب نجاح القيادة الفلسطينية في مواجهة وباء الكورونا مقارنة بِفشل هذه المنظومة التي تستعرض قواها الاقتصادية الصلبة، والعسكرية المدمرة بمناسبة وغير مناسبة بغرض الإرهاب وتثبيت الهيمنة، وفرض الخضوع والتسليم على كل من يفكر بمواجهتها، وقد يكون هذا صحيحًا ولكن في حيز ضيق في سياق الحملة المبرمجة الممنهجة التي تشنها هذه المنظومة العدائية على رموز الوطنية الفلسطينية، وقيادة حركة التحرر الفلسطينية، وعلى رواد ثقافة الحرية والتحرر والعدل والمساواة، والمنادين بسيادة القانون الدولي، والتعامل مع سياسة منظومة الاحتلال الاستعماري الاستيطاني العنصري باعتبارها سياسة منظومة حرب ضد الإنسانية، وضد مبدأ السلام، خارجة على المواثيق والقوانين الدولية ومتمردة على المواثيق الأممية التي ما كانت إلا لتحقيق السلام بين الشعوب والدول.
أكثر من مئة عام والصراع دائر بين المشروع الوطني الفلسطيني ومنظومة الاحتلال الاستيطاني الاستعماري الصهيوني العنصري، وسيستمر ما لم تستخلص رؤوس هذه المنظومة الدرس، فهنا على هذه الأرض الحقيقة فلسطينية عربية إنسانية حضارية، وستبقى كذلك لأنهم لن يجدوا قائدًا فلسطينيًا في موقع القرار والمسؤولية يسلم أو يستسلم، وأن نزوع الفلسطيني نحو سلام حقيقي ليس ضعفًا وإنما قناعة بجدواه كبديل عن عجلة سفك الدماء، وأن للفلسطيني روحًا تدعى (فلسطين) أرضه ووطنه الأبدي الخالد مثله في ذلك كمثل أي إنسان في هذا العالم يفخر ويعتز بوطنه ويعتقد أن حياته مكرسة من أجل ديمومته حرًا مزدهرًا مستقلاً تحت الشمس.
نعلم جيدًا قدرة أجهزة المنظومة على فبركة تقارير ودسها في وسائل الإعلام نظرًا لِوفرة المعلومات لديها التي تمكنها من صياغة تقرير يبدو من الوهلة الأولى كتقرير موثوق وهذا طبعًا عند قارئ أو متلقٍّ عادي غير مطّلع، لا يكلف نفسه عناء البحث عن الحقائق، ونعلم أيضًا أن العملاء المستأجرين لهذه المنظومة، ومعهم الذين يلتقون عند ذات النقطة والمصلحة في ضرب إرادة حركة التحرر الوطنية، وتشويه صورة قائدها، وإضعاف هيبة ومكانة وشرعية رئيس الشعب الفلسطيني لا يكفون عن محاولات نيل رضا أسيادهم عبر الاجتهاد بنشر تقارير إعلامية ممولة و(إشاعات) يظنون أنها ستكسبهم تميّزًا.
نستطيع القول بِكل ثقة إنّنا نعرف أسماء (الأولاد) المبتدئين في ممارسة هواية العمالة وتعلم مستلزماتها كفبركة التقارير، ويمكن لكل مهتم متابعة شطارة (أولاد دحلان) و(صبيان حماس) فرع الإخوان المسلمين في فلسطين، حيث أعطى شيخهم إسماعيل هنية إشارة البدء عندما أطلق كذبته في موضوع تسييس القيادة الفلسطينية لأزمة وباء كورونا، ثم طاف تقريرهم على وجه ماء مستنقعاتهم الإعلامية حول صراع قيادات في حركة فتح على خلافة الرئيس، وفي الوقت نفسه عملت صحافة منظومة الاحتلال على تضخيم (خربشات أولاد هنية ودحلان) التي إذا جاز تصنيفها فإنها توضع تحت بند (أضغاث الأحلام).
يثير رؤوس المنظومة في تل أبيب موضوع خلافة الرئيس عند كل مفصل في الصراع، وقبل تحولات مهمة في ميادينه، وكأنهم بذلك ينتظرون تراجعًا من الرئيس عن الموقف الوطني، أو لاعتقادهم بإمكانية الحصول على تنازلات، لكننا في الوقت نفسه لا يخفى علينا أنهم يمهدون لفوضى في الشارع الفلسطيني في لحظة نضوج خطتهم التي تسبق الإعلان عن ضم غور الأردن وشمال البحر الميت ومستوطنات كبيرة ومناطق أخرى في أنحاء الضفة الغربية، وبما يوحي «بمصداقية» التقارير المفبركة التي تحدثت عن صراع على السلطة، التي سيتبين للجميع فيما بعد أنها كانت الطعم لتبرير رمي الشباك على مقدرات الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس بشكل محكم ونهائي تنفيذًا لخطة ترامب نتنياهو الاستعمارية المسماة (صفقة القرن).
قديم متجدد هذا النوع من الحملات على الرئيس محمود عباس أبو مازن، والريبة منها واجب، لكن ليس إلى حد تجاهل أن مصدرها المنظومة وعملاؤها الذين يعتقدون أنه الفلسطيني الأخطر على وجودهم ككيان، ليس لأن الرئيس محمود عباس هرقل أو اسكندر زمانه، وإنما لأنه يجسد إرادة وآمال وأهداف وطموحات وثوابت شعب، ولأنه رئيس السلام القادر على الانتصار بالأمل على رؤوس مافيات ومنظومة الحرب، ولأنه مؤمن بأن الحق سيزهق الباطل ولو بعد حين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها