أخيرًا وبعد شهرين تقريبًا من الحوارات بين حزبي الليكود ومناعة إسرائيل تمكن نتنياهو وغانتس على الاتفاق بتشكيل حكومة طوارئ أمس الإثنين، وبذلك مؤقتًا تحقق الهدف من عدم الذهاب لانتخابات تشريعية رابعة في آب/ أغسطس القادم. لكن من قرأ أبرز عناوين الاتفاق يعتقد أن الجولة الرابعة ليست بعيدة، لأن أزمة إسرائيل أعمق من أن يعالجها اتفاق بين طرفين يعانيان من الإفلاس والفساد ومسكونين بحسابات شخصية. وهذا الاستنتاج ليس إسقاطًا رغبويًا، ولا يقف عند حدود التمني، إنما تفرضه وقائع المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي المتآكل نتاج جملة الأزمات السياسية والحزبية والدينية والاقتصادية والطبية.

جاء في الاتفاق الذي وقع بالأحرف الأولى بين الفاسد والمهزوم، لنلاحظ النقطة التي تبوأت وتصدرت الاتفاق، أولاً "فرض السيادة الإسرائيلية" على مناطق في الضفة الفلسطينية سيكون في تموز / يوليو المقبل؛ ثانيًا عدم تعديل "قانون القومية"، مع أن زعيم حزب حصانة إسرائيل، أطنب في الحديث كثيرا عن رفض القانون، لكنه لحس كل تعهداته؛ ثالثًا حصل تحالف الليكود على رئاسة الكنيست، و(تخلى غانتس عن حليفه كوهين) ورئاسة اللجان المالية والاقتصاد وكورونا، ووزارات المواصلات والأمن الداخلي والمالية، والصحة وجودة البيئة والإسكان؛ رابعًا اتفقا على أن الحكومة لثلاثة أعوام مناصفة بينهما، كل منهما يتولى 18 شهرا الرئاسة، والبداية بيد زعيم الليكود، وتتشكل من 30 وزيرا: أبرز وزارات "مناعة إسرائيل، هي: غابي اشكنازي، وزيراً للخارجية، وبيني غانتس، وزيرا للأمن، ووزارة القضاء ايضا، لكن لليكود حق النقض (الفيتو) على أي قرار لا يناسبه، بتعبير آخر، هيلمان غانتس بإطلاق يد القضاء، وتحريره من سطوة الليكود ذهب أدراج الرياح؛ خامسًا وزارة الاقتصاد لبائع حزب العمل، عمير بيرتس؛ سادسًا اتصل رئيس حكومة تسيير الأعمال مع كل حلفائه في تكتل اليمين باستثناء نفتالي بينيت زعيم حزب "يمينا"، وهو ما يشير إلى التخلي عنه، أو بحد أدنى إبقائه على الرف، ولي ذراعه حتى لا يبقى يتطاول وزميلته شاكيد على نتنياهو.

من الواضح أن بنيامين نتنياهو حقق انتصارًا كبيرًا بذريعة الكورونا، منها أولاً تفكيك تكتل "كاحول لافان"، ثانيًا ضمان عدم سن أي قانون يتعارض مع مكانة، أو مصالح المقيم في شارع بلفور، والمتهم بثلاث قضايا فساد؛ ثالثًا انتزاع المواقف المنسجمة مع تحالف اليمين المتطرف فيما يتعلق بـ "قانون القومية الأساس للدولة اليهودية"، ومسألة الضم للأراضي الفلسطينية واللجنة القضائية؛ رابعًا تهميش دور حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة افيغدور ليبرمان، ويعلون، زعيم حزب "تليم"، ومعهما حزب "يوجد مستقبل" بزعامة لبيد". رغم أن الحزبين الأخيرين بقيا محافظين على تحالفهما حتى اللحظة الراهنة؛ خامسًا نقل رسمي وكامل لغانتس وحزبه إلى ائتلاف اليمين المتطرف. لا سيما وأن الاتفاق صالح زعيم حزب "مناعة إسرائيل" ومن معه مع ذاتهم اليمينية المتطرفة؛ سادسًا إبقاء بينت وشاكيد على الرف ولحين الحاجة؛ سابعًا العمل على محاصرة القائمة المشتركة، والتآمر المشترك عليها، وتعزيز العنصرية؛ ثامنًا العمل بسرعة على تمرير صفقة القرن الترامبية النتنياهوية، كون غانتس وافق عليها وتبناها، وتصفية خيار السلام كليا.  

مع ذلك فإن الاتفاق، الذي قام على ركائز وسياسات اليمين المتطرف لن يقوى على الاستمرار، لأن مصالح القطبين الشخصية متناقضة، أضف إلى إن محاكمة نتنياهو ستبدأ الشهر المقبل على قضايا الفساد الثلاث: سوء الأمانة، والاحتيال والرشوة، التي ستطيح به، كون محاميه لم يتمكنوا من تفنيد أي من التهم الثلاث؛ وكون المشهد الحزبي والسياسي في حالة حراك، وإمكانية الانقلاب على الوضع الحالي ممكنة وطبيعية، بِحكم عدم وجود ثابت في سياسات قادة وأعضاء الأحزاب والكتل الموجودة الآن، وبالضرورة ان أزمة الكورونا، التي أنقذت نتنياهو حتى اللحظة، هي ذاتها أيضًا ستساهم في إقصائه، لأن تداعياتها الاقتصادية والسياسية والدينية ستحمل معول هدم للاتفاق المبرم، كما أن التحولات والانزياحات العالمية ستؤثر أيضًا على الساحة الإسرائيلية. صحيح قد تحتاج لبعض الوقت، لكنها بدأت تتدحرج.

لذا علينا الانتظار قليلاً لنرى المتغيرات في المشهد الإسرائيلي، والذي لن يكون بعيدًا وفق الشواهد الماثلة الآن في إسرائيل الاستعمارية، والمستقبل المنظور هو الحكم على كل الاستنتاجات آنفة الذكر.