ما زلنا في خضم المواجهة الساخنة مع الوباء، ونكتشف مع كل يوم المستوى المميز لِعقل الدولة الإداري، ونضج الوعي والإحساس العالي بالمسؤولية، والإرادة الوطنية التي سيرت منظومة العمل بامتياز.

برزت لدينا كفاءات عالية المستوى، واجتهاد نظري وعملي غير مسبوقين، وانضباط والتزام المؤسسة الأمنية، وروح العمل التطوعي للعمل الدؤوب، وانتشرت صور العطاء بلا حدود، فرسمنا لوحة وطنية إبداعية فيها من التوازن، والانسجام، والتكوين الجمالي الإنساني العملي والمادي والروحي والثقافي الاجتماعي ما يكفي لأن تكون ملهمنا في معركة البناء والتحرير أيضًا، وليس في حالة الطوارئ وحسب.

رُبّ ضارة نافعة، والعقل التجريبي يرفض الاستسلام للنوائب، فالأصل أن ينتصر الإنسان لضحاياه خاصة عندما يكون بموقع المسؤولية في مؤسسات الدولة الرسمية، رغم قناعتنا أن كل مواطن مسؤول عن نفسه وعائلته على الأقل.

ما حدث ومازال يحدث عندنا بسبب غزوة وباء الكورونا درس عظيم الحكمة والمعرفة، فقد تعلمنا إمكانية تكوين جبهة وطنية داخلية مماثلة ولكن لمواجهة فيروس وباء منظومة الاحتلال الاستعماري الاستيطاني العنصري الإسرائيلي (المستبد)، الأشد خطرًا والأفظع فتكًا من فيروس كوفيد 19 (المستجد).

تجسدت صورة التكامل والانسجام الفعلي والعملي بين مؤسسات الدولة، بين الرئاسة والحكومة والمؤسسة الأمنية، والمحافظين والبلديات، وبين القطاعين العام والخاص، وارتكز رأس الهرم السياسي الرسمي على قاعدة شعبية تنظيمية متينة شكلتها القوى الوطنية وفصائل منظمة التحرير، وتجلت نماذج الإحساس بالواجب الوطني عبر لجان الطوارئ المحلية، حتى يمكننا القول إن قرية في فلسطين لم تشكل فيها لجنة طوارئ ارتبطت بوسيلة أو أخرى بقيادة الأمن الوطني، وهنا وعند هذه النقطة وجب التوقف والتأمل والتفكير في المدى الذي سيلي مرحلة القضاء على فيروس كورونا المستجد، وما علينا فعله لمواجهة الفيروس المستبد اعتمادًا على النموذج والمثال الذي جسدناه فعلاً، وكان سببًا هامًا لتخفيف رقم الضحايا عندنا مقارنة بدول عظمى ودول تملك أموالاً طائلة، ودول متقدمة علميًا، ودولة الاحتلال التي ما انفكت تقدم نفسها الدولة المتفوقة في كل المجالات.

لقد ثبت لنا بالتجربة والبرهان أننا بحرص قيادتنا على الإنسان أولاً وعلى حياته وسلامته فوق كل اعتبار، وبتعاضدنا، وبالثقة المتبادلة عن يقين بين المواطن والمؤسسة الرسمية، وأننا حين أعطينا عقولنا فرصة الرؤية الموضوعية والواقعية الحقيقية للأمور وطهرنا نفوسنا من النظرة السلبية والمواقف الضدية المعلبة الجاهزة من القيادة والحكومة والسلطة والمؤسسات الرسمية، وأننا عندما بدأنا نتعامل بمقتضيات القانون والنظام، وبعد كل ما لمسناه من أداء فاق التوقعات – هو واجب وفرض عين -  ثبت لنا أن لا شي يعجزنا عن الاستمرار ببناء قلعتنا وتأمين مقومات صمودها، لننطلق منها بكل ثقة وإيمان بالنصر في الاستقلال التحرر والبناء، فعندما ننتصر في معركة كورونا المستجد، سننتصر حتمًا في المعركة مع الاحتلال المستبد، فنحن في واقع يحتم علينا خوض معاركنا المصيرية بالتوازي وليس بالتوالي .. وسيبقى حاضرًا في أذهاننا انشغال دول العالم كل بمصيره، فكل دولة تحاول الإبقاء على منظومتها الاقتصادية والصحية والاجتماعية وحتى الأمنية في ظل الجائحة، فيما نحن نناضل ضد الوباء ونحقق إنجازات نموذجية في ذلك، وهذا سيعزز مبدأ جدارتنا بدولة مستقلة ذات سيادة، بالتوازي مع نضالنا للإبقاء على وجودنا ومنع إدارة ترامب الاستعمارية وربيبتها منظومة الاحتلال الإسرائيلي من التغول وضم أراضي دولتنا، ولعلنا نستثمر في سياق معركتنا الدبلوماسية والسياسية حقيقة وواقع تفاعل قطاعات الشعب الإيجابي مع منهج قيادتنا السياسية ورؤيتها البعيدة المدى، والانسجام والتكامل المتميز بين أركان الدولة، وتنزهها عن تسييس الوباء بخلاف ما فعلته منظومة تل أبيب وإدارة ترامب وجماعة حماس إسماعيل هنية بلسان رئيس مشايخها الإخونجيين، الذين سارعوا إلى تسييس الوباء، فهؤلاء المستبدون يبحثون دائمًا عن كبش فداء لتحميله المسؤولية عن آلاف الضحايا الذين هدرت دماؤهم بالحروب، أو ماتوا بالمرض نتيجة سياساتهم الرغبوية السلطوية الفئوية.