- يزعمون يا حنظلة، أيّها الصّبيّ السّرمديّ، أنّ فيروس كورونا لا يميّز بين أسود وأبيض، أو بين مسلم ومسيحيّ ويهوديّ وبوذيّ، أو بين مؤمن وملحد، أو بين رأسماليّ واشتراكيّ.

فردّ بهدوء: أرفض هذا الرّاي. لماذا تسلّل هذا الفيروس الفتّاك إلى قرية جسر الزّرقاء ولم يقتحم جارتها قيساريا؟ ولماذا اجتاح مدينة بني براك ولم يقترب من جارتها رمات غان؟ ولماذا عاث بأهل بلدة العاد ولم يدنُ من سكّان بلدة شوهام؟ ولماذا هاجم أهل دير الأسد ولم يجرّب حظّه في قرية الورود؟ ولو ابتعدنا إلى بلاد الغرب فلماذا اختار السّود والمكسيكيّين في نيويورك ولم يقل "هاي" للأغنياء؟ وأضاف حنظلة: شاهدت أمس على الشّاشة الصّغيرة سيّدة تقول إنّها تعاني في حجرها مع أولادها السّتة في شقة سعتها سبعون مترًا مربّعًا بينما هناك في البلاد عائلات تعيش في قصور وفيللات تحيط بها الحدائق فيتنزّهون ويمارسون الرّياضة.فأيّها سيختار الكورونا مرتعًا له؟

قلت: هل تعلم يا حنظلتي أنّ دولة كوبا الاشتراكيّة الفقيرة الّتي وصمها الإعلام الغربيّ بكل الموبقات قدّمت المساعدات الطّبّيّة لدولة إيطاليا الصّناعيّة الغنيّة.

مدّ حنظلة يده الى رفّ من رفوف مكتبتي وتناول كتاب "رأس المال" وقفز في الهواء وبدأ ينادي رؤساء أميركا وبريطانيا وروسيا وفرنسا وإيطاليا واليابان كلّا باسمه وقال: ماركس يقول لكم، أنا أخبرتكم... ولم تسمعوا!!

- وماذا تفعل حاملات الطّائرات؟

-  طزّ. طزّ. هؤلاء اللاتي أرعبن العالم عاجزات أمام الكورونا ولم يستطعن حماية الملّاحين.

- جورج واشنطن؟ هاري ترومان؟ ايزنهاور؟ شارل ديغول..؟
فصار يطزّز حتّى نشف ريقه.

- يا حنظلة، هذا عالم غريب أنفق علماؤه وقاداته وساسته تريليونات الدّولارات واليوروهات على الأسلحة، على الغّواصات والأفران الذّرّيّة والصّواريخ الذّكيّة وأهملوا المستشفيات وأجهزة التنّفّس الصّناعيّة.

فقاطعني: لو استغلّت أميركا الأموال الّتي قصفت بها بغداد والبصرة وبنت مشافي حديثة لما وقف هذا الأرعن يشتم الصّين ويعاقب منظمة الصّحّة العالميّة. ولو أنّ حكومة إسرائيل اقتطعت ثمن طائرة حربيّة (لا بدّ من أن تتحول الى خردة) وبنت مستشفيات مزوّدة بالأجهزة العصريّة لما ارتعب سكّان القدس وتل أبيب.

وصمت لحظة ثمّ أضاف: يا صاحبي. أنفق هؤلاء العلماء الأموال الطائلة على اختراع الفياغرا كي تعيشوا في لذّة وتنسوا قضايا العصر ونسوا أن يخترعوا مصلًا يقيكم من الكورونا.

-  والآن يا حنظلة؟

- مع الاعتذار لدرويشنا:

أميركا هي الطّاعون والطّاعون أميركا

أيقظتنا الفيروسات وصوت أميركا.

-  ولو يا حنظلة؟

-  اسمعوا وعوا.درهم وقاية خير من قنطار علاج. ولا بدّ من أن نزرع الأمل ونرش الأزهار.لا بدّ من النّصر على الكورونا.

- وأميركا يا حنظلة؟

- أنا قصدت رئيس أميركا لا شعبها، أقول عاشت البشريّة. وعاشت الشّعوب كلّها.. وعاش الشّعب الأميركيّ بسوده وبيضه..!