في السابع من كانون الثاني العام 1965، وبعد إطلاق الطلقة الأولى في 1/1/1965، مع تنفيذ العملية الفدائية الأولى، واستهداف الأنابيب التي تجر المياه من نهر الأردن إلى الأراضي المحتلة، وذلك قرب عيلبون، كعنوان لانطلاقة المسيرة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، والتي بدأتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وقواتها العاصفة بانتهاج الكفاح المسلّح، وحرب التحرير الشعبية، فقد أُعلنَ وفي السابع من شهر كانون الثاني رسميًّا عن ارتقاء الشهيد أحمد موسى رحمه الله الذي شارك في هذه العملية.
وفي هذا اليوم من كل عام يحتفي الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده، في الداخل والخارج بهذه المناسبة، لأنها أضحت تعبِّرُ عن الوفاء لقوافل الشهداء، الذين حملوا الهمَّ الفلسطيني، وقدَّموا التضحيات الجسام، وفي أحلك الظروف وأشدها قساوة، كان هذا الرعيل من الشهداء يغادر البيوت، ويودِّع الأهل والأبناء، يمتشقُ السلاح، وينخرط في المعارك، متناسياً الدنيا وما فيها، باحثاً عن فلسطين، فهي الأمُّ التي تناديه، وتفتح له ذراعيها، وكأنهما على موعد رَعَته القداسةُ والجلالةُ الإلهية؛ فإمّا شهيداً، وإمّا جريحاً، وإمّا أسيراً. ويبقى جرحُ فلسطين نازفاً، وصارخاً، لأنَّ المشوارَ طويل، والعبءَ كبير، وفلسطين تلوِّح لأبنائها معلنةً: "ولا تهنوا، ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين".
في مثل هذا اليوم من كل عام تتأهب حركة "فتح"، ومعها الفصائل الفلسطينية لتكريم الشهداء الذين نالوا الدرجات العلى عند رب العالمين، وذلك بتذكير الأجيال والأحياء بمآثر هؤلاء، وتضحياتهم، وسيرتهم الذاتية، ومواقفهم المشهودة. والأهم هو تكريم أهالي الشهداء، والإحسان إليهم، والعطف عليهم، وسرد مآثرهم، وتبيان فضلهم على شعبهم، وعلى وطنهم، وعلى قضيتهم، فهم الذين صانوا الكرامة بتضحياتهم، وكتبوا تاريخنا المشرق والمُشرِّف بدمائهم. وإذا كنا لا نستطيع اللقاء مع الشهداء لأنهم في عليين، فلنكرِّمْ أهلهم ونساءهم وأطفالهم، ونؤكد اعتزازنا بهم كي يطمئنَّ الشهداء بأننا كنا وما زلنا أوفياء لأرواحهم الطاهرة أولاً.
إنَّ الاحتفاء بيوم الشهيد، هو من أرقى وأنبل ما نمارسه كشعب فلسطيني، ونحن ندرك تماماً أنه لولا قوافل الشهداء الذين ارتقوا قبل انطلاقة الثورة، وبعد انطلاقتها لما استطعنا أن نحافظ على وجودنا الوطني، والسياسي، والثوري، وأن نصرَّ على ثوابتنا الوطنية، وأن نتجذَّر في أرضنا المقدَّسة، وأن نواجهَ الاحتلالَ الصهيوني في الاراضي المحتلة، وأن نكافح في كل الميادين، والمجالات الدولية، والاقليمية، وفي كافة المؤسسات والهيئات والجمعيات.
ولأنَّ يوم الشهيد له هذا الوقع الإيماني، والوجداني، والأخلاقي، والثوري، والمبدئي، فإنّنا مضطرون شئنا أو أبينا أن نقف بكل خشوع واحترام أمام هيبة، وخلود الشهداء، الذين هم عند ربهم يرزقون، من أجل أن نجدد العهدَ لهم، وتجديدُ العهد للشهداء لا يكون إلاّ بالارتقاء نحو القيم والمبادئ والأخلاق التي حملوها، وجعلت منهم رموزاً لشعبهم في الدنيا، والخالدين في جنات النعيم.
إِنَّ تجديد العهد للشهداء، لا يكون إلّا عندما نتجرأ على تطهير أنفسنا من الأدران التي علقت بها، وأن نترك الدنيا وإغراءاتها لأهل الدنيا، أما نحن إذا كنا من أصحاب القضية وأهلها، فعلينا أن نرتقي بسلوكنا ومبادئنا، تماماً كما فعل الشهداء، عندما طلَّقوا الدنيا بكل إغراءاتها ومكاسبها، واختاروا الزهدَ، والنقاء، والطهارة طمعاً برضى الله وجناته.
في يوم الشهيد الفلسطيني علينا أن نعتبر قبل فوات الأوان، فإذا كُنَّا كمناضلين فلسطينيين ننتصر لفلسطين، ونعشق الشهادة، علينا أن نكون أمناء ومؤتمنين، وأن نتذكر قادتنا العظماء الذين رحلوا، وأن ننهل من قيمهم، وأن نحاسب أنفسنا قبل أن يأتي يوم الحساب.
ومنطق التاريخ والواقع يفرض علينا كشعب احتلت أرضه، وشُرِّد من وطنه أن نكون مشاريع شهادة لصد العدوان، وتحرير الارض، وتطهير المقدسات.
وإنها لثورةٌ حتى النّصر
الحاج رفعت شناعة
عضو المجلس الثوري
٦-١-٢٠٢٠
#إعلام_حركة_فتح_لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها