تقرير: عُلا موقدي
يجسد "مركز ارطاس للتراث الشعبي" الفلسطيني مراحل مهمة من تاريخ قرية ارطاس جنوب غرب بيت لحم وتطورها، ويروي قصص وذكريات الأهالي منذ فترة ما قبل الحكم الروماني على فلسطين قبل أكثر من 2000 عام، وحتى يومنا هذا.
تأسس عام 1993، كأول مركز تراثي في الريف الفلسطيني، ويعتبر اليوم من أكبر التجمعات الفلكلورية في محافظة بيت لحم، وهو من أولى المؤسسات التي وافقت وزارة الثقافة على منحها رخصة تسجيل في تشرين الأول 1995.
ويعود السبب وراء إنشائه إلى باحث الفلكلور موسى سند، عندما قابل مجموعة من السياح الأجانب في الخامس والعشرين من نيسان لعام 1972، وأجابهم عن اسم القرية، ولكنه لم يعرف أصل التسمية، ولا الأماكن التاريخية والأثرية أيضا، لدرجة أنهم شككوا في أن يكون من أبنائها، إلا عندما عرّفت سائحة سويدية تدعى "هيلما غرانكفيست" اسمه لسابع جد "موسى عيسى سليمان سالم محمود سند"، من خلال الكتاب الذي كانت تحمله بيدها ويحتوي على خرائط وشجرات عائلات متعددة، فحينها فقط شعر بالذهول والخجل الشديدين، وكتب قائلاً: سائحة أجنبية تعرف إسمي أحسن مني، فذكرت سبعة من جدودي!
ثم كرّس موسى بعد ذلك الموقف حياته تجاه البحث والتنقيب عن كل ما يخص القرية، وتجميع وحماية وتوثيق كل ما يتعلق بالقرية، فقام بعمل مشاريع لترميم وتنشيط الحي القديم في البلدة وتشجيع الزوار لشراء المنتجات من القرية، وتقديم وجبات فلسطينية تقليدية وايجاد مسارات للسير على الأقدام.
ومن أجل دعم المركز أقام موسى مهرجان الخس، نظرا لكونها نبتة معروفة ولها قيمة رمزية ولديها القدرة على مقاومة برد الشتاء القارس لتنبت وتزهر في الربيع، ثم لحقه إقامة العديد من المهرجانات الزراعية والتي أصبحت تنتشر في فلسطين وتحتل جزءا من الأجندة والتقويم.
وبعد 20 عاما من البحث والتوثيق، لم يعد يتسع منزل موسى لكل ما جمعه وحفظه فقرر أن يفتح مركزا لهذا التراث، واختار مبنى أثريا قديما يقع على تلة صخرية فوق عين ارطاس بني عام 1850، يعود جزء منه للعهد الروماني، والذي كان يحتوي على قسم" البد الروماني" وهي معصرة زيت قديمة، وتم تقسيمه إلى مكان مخصص للصور والكتب والوثائق والدراسات، وآخر لأرشيف خدمة الباحثين الفلسطينيين والأجانب، ومتحف لعرض الحياة الشعبية من خلال الأدوات المستخدمة وقسم الصناعات التراثية.
ومن أشهر ما قال المؤلف موسى سند: كلما تبحرت في التاريخ تتكشف لك الحقائق.
الناشط الشبابي، عضو الهيئة الادارية في المركز فادي سند ذكر لـ"وفا"، "سنوات عديدة من الجهد والتحضير بذلت قبل تأسيس المركز عام 1993 في الجمع والبحث والتوثيق، لكن ظروف الاحتلال لم تكن تسمح بخروج هذه الجهود على شكل مؤسسة بحثية متخصصة في تراثنا الفلسطيني، لكنه أصبح اليوم يستقطب اهتمام كثير من الباحثين الفلسطينيين والأجانب، ومن أهم مراكز التوثيق الفلسطينية".
وأضاف، يضم المركز بين جدرانه متحف الحياة الشعبية الفلسطينية الذي يحتوي على الكثير من القطع، والأدوات، والمواد التي استخدمها الفلاح الفلسطيني من أدوات منزلية، وأثاث، ولباس، وزينة، وأدوات العمل، وعشرات الصور الفوتوغرافية القديمة والحديثة، ذات المضمون التراثي والحضاري، ومعرض الأشغال والحرف والصناعات اليدوية والشعبية والسياحية في المنطقة ويضم اشغال تطريز يدوي، وحلي، وصناعة الفخار، وخشب الزيتون والصدف.
وتابع: يضم كذلك دائرة الفنون الشعبية، وتضم في عضويتها: العديد من الفنانين وفرق الفنون الشعبية في المنطقة، ووحدة تهتم بشؤون المرأة، وتنظيم برامج التأهيل والتوعية، وإبراز دور المرأة الريفية في المجتمع، وتم افتتاح بيت الصداقة الفنلندي الفلسطيني في شعب الست لويزا ليعيد الأمل في جمع وتوثيق التاريخ الشفوي.
وبيّن سند، أن المركز يعتنى بالتراث الشعبي الفلسطيني، وتنشيط التعاون مع جميع المؤسسات الرسمية والشعبية، ونشر الوعي بأهمية تراثنا الشعبي، وتشجيع الفرق والمجموعات الفولكلورية التي تعنى بالفنون الشعبية من موسيقى وغناء ودبكة والقيام بأنشطتهم الفولكلورية، ومساعداتها على تطوير أعمالها وأدائها والعمل على عقد لقاءات ومهرجانات فولكلورية، وإحياء الحرف والصناعات اليدوية الشعبية والسياحية التقليدية في المنطقة، بالإضافة إلى الحفاظ على المباني القديمة والعمل على ترميمها، وتشجيع الطلبة على القيام بالرحلات والنشاطات الكشفية والرياضية والأعمال التطوعية للتعرف على معالم فلسطين الحضارية والتراثية والبيئية.
قرية ارطاس التي تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة بيت لحم قد احتلت المرتبة الثانية من ناحية الأقدمية بعد مدينة أريحا، وفيها العديد من الآثار القديمة التي زادت الأهمية الحضارية للقرية، لُقّبت منذ زمن الصليبيين بـ"الجنة المغلقة"، وكلمة ارطاس "Hortus" كلمة يونانية (لاتينية) تعني الجنة أو البستان، وأُدرجت القرية ضمن الخارطة السياحية في فلسطين، لما لها من طابع أثري ديني ثقافي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها