"الحرب المنسية" هكذا أطلق عدد من الباحثين الإسرائيليين على حرب الاستنزاف التي بدأها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر على جبهة قناة السويس عام 1969 واستمرت حتى صيف عام 1970. هؤلاء الباحثون أطلقوا عليها هذه التسمية لأن إسرائيل لم تجر تقييما جديا لهذه الحرب في حينه ولا بعد ذلك، وهي التي برأيهم قد خسرتها إسرائيل.
وفي اعتقاد هؤلاء الباحثين، الذين نبشوا في آلاف الوثائق واجروا عشرات المقابلات، ان الولايات المتحدة الأميركية هي التي اطالت من عمر هذه الحرب لكونها كانت تقوم بتجريب أسلحتها في الميدان العملياتي، وخاصة طائرة الفانتوم التي كانت مزودة بأجهزة الكترونية حديثة.
ومن وجهة نظرهم، وأعتقد أنهم محقون هنا، بان عبد الناصر أراد هذه الحرب ليقول للإسرائيليين ان استمرار احتلالكم لسيناء سيكون مكلفا، كما انه اراد تحريك الاوضاع العسكرية بهدف تحريك الجهود السياسية.
ومما يؤكد ذلك أن عبد الناصر كان قد رفض اقتراحا سوفياتيا لوقف محدود للقتال بهدف تدريب الجيش المصري على استيعاب الاسلحة السوفياتية الاحدث، وخاصة صاروخ سام - 3 المضاد الطائرات، الامر الذي دفع السوفيات لإرسال اطقمهم وخبرائهم لتشغيل هذه الصواريخ والتصدي للطائرات الإسرائيلية وطائرة الفانتوم بالتحديد.
وربط الباحثون الاسرائيليون بين ما حدث في حرب الاستنزاف تلك، والمقصود تجريب الأميركيين لطائرة الفانتوم، وبين الحرب الحالية في سورية وسعيهم لتجريب واشنطن لطائرة الشبح F- 35. ففي كلا الحربين كان هناك مصلحة أميركية لتجريب اسلحتها.
أهم استنتاج لهؤلاء الباحثين، وبعد أربعين عاما، أن إسرائيل قد هزمت في تلك الحرب، كما لم تدرك في حينه ان مصر قد استفادت عبر تعزيز دفاعاتها الجوية وفي نشر صواريخ سام- 3، والتي كان لها القدرة على شل فاعلية الطيران الحربي الاسرائيلي شرق القناة بعمق عشرة كيلو مترات، وهو ما قاد إلى عبور الجيش المصري للقناة في حرب اكتوبر عام 1973، وتحقيق انجاز عسكري مصيري.
ما يجب التوقف عنده هنا مسألتان الأولى أن هذه الحرب لم تكن منسية للإسرائيليين وحدهم، بل كانت منسية من قبل من حقق فيها انجازا عسكريا أي العرب، وهذا بحد ذاته يطرح السؤال لماذا لا نرى تقييما عربيا موضوعيا للحروب التي خاضوها مع اسرائيل؟ أم انه ومن وجهة نظرهم لم تعد له ضرورة كونهم اخرجوا أنفسهم من دائرة الصراع مع إسرائيل.
المسألة الثانية هي حروب الاستنزاف ذاتها، أو المواجهة طويلة الأمد مع الاحتلال ليشعر أصحابه أنه احتلال مكلف، حتى لو كانت المواجهة شعبية سلمية، ولكن أن تكون مستمرة وفي ايقاع واستراتيجية لا تلحق أضرارا أكبر في الجانب الفلسطيني.
دروس وعبر حرب الاستنزاف هي في غاية الأهمية خصوصا اننا نعيش ذكرى وفاة جمال عبد الناصر مفجر هذه الحرب، والذي أراد من خلالها استعادة كرامة الجيش المصري والأمة العربية بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967. فعبد الناصر أراد ان يقول إن الأمة العربية عصية على الاستسلام أمام إسرائيل، فأين هذه الأمة اليوم؟!
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها