في مقالي السابق قبل يومين بعنوان "خطاب تتويج الجهد الدبلوماسي" لم اتعرض لما اشار له الرئيس عباس بشأن الانتخابات البرلمانية، رغم انه موضوع هام وضروري للشعب الفلسطيني، لاني أعتقد ان هذا الموضوع ليس منفصلا عن المصالحة بشكل عام، ومحددات أساسية فيها تتعلق بأكثر من عامل، منها اولا لا إمكانية لإجراء الانتخابات دون القدس العاصمة ومحافظات الجنوب؛ ثانيا استعداد الحكومة للإعداد والإشراف على العملية الديمقراطية؛ ثالثا ضمان سير العملية الديمقراطية بيسر ودون تعقيدات أمنية، أو غيرها من العوامل السلبية، التي يمكن ان تؤثر على نزاهتها وشفافيتها. وما لم تتوفر الشروط الذاتية الملائمة للانتخابات سيكون من الصعب إجراؤها.
لكن بعض القوى السياسية تميل للتمسك بالقشور، وبالمسائل الشكلية، وتعمل من حيث تدري أو لا تدري على وضع العصي في دواليب العملية الانتخابية، وتتحدث عن التفاصيل، مثلا هل الانتخابات ستشمل كل المستويات الرئاسية والبرلمانية والمجلس الوطني، أم البرلمانية فقط؟ ولماذا يتم تجزئة الانتخابات، ولا تكون رزمة واحدة؟ ولم تحاول تلك القوى الإمساك بجوهر المسألة، وتصر على إجراء الانتخابات مقرونة بتكريس المصالحة الوطنية الشاملة. لانه لا قيمة للحديث عن الانتخابات في ضوء انسداد الأفق أمام ترتيب البيت الفلسطيني، وطي صفحة الانقلاب الأسود على الشرعية الوطنية.
وارتباطا بما تقدم، لم تثر تلك القوى أسئلة أكثر أساسية ومركزية، مثلا، هل حركة حماس مستعدة، ولديها الجاهزية الأكيدة من حيث المبدأ ان تجري الانتخابات أم لا؟ وإذا كانت مستعدة للانتخابات، لماذا ترفض تنفيذ الاتفاقات ( مايو / ايار 2011 وتشرين أول / اكتوبر 2017) المبرمة برعاية جمهورية مصر العربية؟ وإذا كان اسماعيل هنية، رئيس الحركة صادقا وموافق على الانتخابات فليتفضل يفتح ابواب المصالحة، وينفذ الاتفاقات المبرمة؟ أم انه يريد ان يلقي بالكلام على عواهنه بالموافقة الشكلية، باعتبارها تنازلا من حركو حماس تدفع بالفصائل الوطنية لتفتح النار على القيادة الشرعية وحركة فتح، ويبقى هو وحركة حماس يتفرجون، ويواصلون خيارهم الانقلابي؟ ولماذا تساوقت معها بعض فصائل المنظمة من خلال عرض رؤية حركة الانقلاب وكأنها رؤية للفصائل الثمانية؟ أليست المبادرة الفصائلية، هي ذاتها ورقة حركة حماس، التي قدمتها للأشقاء المصريين، ورفضت، لانها شكل من اشكال المناورة، والهروب للامام، ومحاولة خلط للأوراق؟ ولماذا لم تسأل فصائل العمل الوطني نفسها سؤالا هاما، أين هي من المصالحة الوطنية؟ وأين موقعها من الإعراب الوطني، هل باتت بوقا لحركة حماس، أم انها صاحبة رؤية برنامجية وطنية متميزة بعيدة كل البعد عن الخضوع والابتزاز من قبل أي كان وخاصة حركة الانقلاب الإخوانية المتناقضة مع المشروع الوطني، كما هو سجلها التاريخي؟ اين هي من مكانها الطبيعي والتاريخي؟ ولماذا تسقط في متاهة اللعبة الإخوانية، وتنسى مسؤولياتها الوطنية؟ وهل التساوق مع حركة حماس يخدم المشروع الوطني، أم العكس صحيح؟
من المؤكد أن الذهاب للانتخابات بكل مستوياتها إن كانت متزامنة، أو متدرجة تخدم المصلحة الوطنية العامة. لكن لا يمكن، ولا يجوز لكائن من كان أن يتحدث عن الانتخابات وكأنها مفصولة ، او معزولة عن المصالحة، أو بعيدا عن إجرائها في العاصمة الأبدية القدس الشرقية، وهذا ليس هروبا من إجرائها. لان الطرف المتمسك بشكل راسخ ومؤكد، هو حركة فتح عموما وشخص الرئيس ابو مازن خصوصا. ومن يعود للخلف قليلا يستطيع أن يتذكر، ان الانتخابات تمت في فلسطين ثلاث مرات 1996، و2005 و2006 وبقيادة حركة فتح وسلطتها الوطنية، والذي حال دون إجرائها حركة الإنقلاب الحمساوية، وليس غيرها منذ عام 2007 بعد إنقلابها الأسود، لماذا لا تتذكروا تصريحات قادتها اصحاب مقولة "الحكومة الربانية"، والانتخابات لمرة واحدة، الانتخابات التي فازت بها عام 2006؟ لماذا تغطون الشمس بالغربال؟
للأسف الشديد وقعت فصائل العمل الوطني في أخطاء، لم يكن عليها الوقوع بها. ومازالت اللحظة مناسبة لمراجعة نفسها. ولا تعني المراجعة التخلي عن المصالحة أو الإنتخابات، وإجراء إصلاحات شاملة في كل عناوين البيت الفلسطيني وخاصة منظمة التحرير الفلسطينية. ولكن إذا ارادت حركة حماس أن تكون شريكا في هذا البيت، عليها ان تتوطن فيه، وان تخلع ثوب الإخوان المسلمين، لانه ثوب غريب وخطير ولا يتناسب مع الثوب الوطني، وهو لا يركب ولا ينسجم ولا يستقيم مع مصالح وحقوق وأهداف الشعب العربي الفلسطيني. هل تقبل حركة حماس بذلك؟
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها