نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، الهارب من نتائج الانتخابات الإسرائيلية في نيسان الماضي، ذاهب إلى انتخابات بعد شهر ونصف في السابع عشر من أيلول المقبل، ومن يراقب تصرفاته يعرف انه يشعر بخوف شديد، ويعبر عن هذا الخوف الشديد بإسهال من التصريحات، كالمرعوب الذي يغني وحده لإشعار نفسه بالطمأنينة، تصريحات تحمل تهديدات لغزة، كما لو أنّ عمليات القتل اليومية لا تكفي لطمأنته، وتصريحات بشأن النجاح في اطلاق صاروخ ارو بالتعاون مع حليفته أميركا، كما لو أن اطلاق الصاروخ الجديد هو حدث نوعي قل نظيره، مع أنّ الكل في العالم يعرف أن إسرائيل تمتلك أي نوع من السلاح بدون الدعم الأميركي الكامل، حتى أن الكثير من الأسلحة التي تنتجها أميركا قبل اعتمادها في يد جيشها، ترسل عينات منها إلى إسرائيل لأجل تجربتها في أهداف حية، وغالبا ما تكون هذه الأهداف الحية أهدافا فلسطينية وعربية، وآخر هذا الإسهال في تصريحات نتنياهو هي تلك التي يقول فيها "إسرائيل لن تقلع أي مستوطنة ولا أي مستوطنة من الضفة، وان الاستيطان سيستمر إلى الأبد، وما هو الجديد في هذا التصريح؟ لا شيء، فالاحتلال قائم، والاحتلال بصفته أكبر جريمة بالمطلق، عاجز عن إنتاج نفسه إلّا بهذه الصيغ، ولذلك فان الهدف الأسمى طرد هذا الاحتلال، وغسل مكانه بالماء، والصابون والمنظفات الأخرى، وطرده من الذاكرة كما حدث مع كل تجارب الاحتلال في التاريخ، وهذا هو الهدف المركزي للقيادة الفلسطينية على رأس شعبها الفلسطيني، بغض النظر عمن يتساقطون مجانا في الطريق، فهذه ظاهرة في التاريخ وليست حماس وحدها النموذج الإخواني في فلسطين، حتى إنّني أدعو إلى عدم ذكر كل السفالات التي تقوم بها حماس حتى لا تشعر أنها قادرة على فعل شيء غير ذلك، فهي لم تخلق إلا لهذا، لا أكثر ولا أقل، ومثلما خرجت جماعة الإخوان المسلمين في بلادنا العربية من المشهد السياسي تماما وتحولت إلى مجموعة ذئاب مطاردة، فقد يكون هكذا مصيرها النهائي طال الزمن أو قصر.
الإسهال في تصريحات نتنياهو هو من قبيل طمأنة النفس، لأن الشواهد الأخرى غير مطمئنة، وفي تصريحه حول بقاء المستوطنات واستمرار الاستيطان، حاول نتنياهو أن يستبق زيارة كوشنير وكوشنير وبقية رجالات وصبية الإدارة الأميركية التي يرأسها دونالد ترامب، موجودون بلا أدنى فائدة، فالرجل يستعيض عنهم بتغريداته التي أوصلته للحضيض، اشتباكات عنصرية مرضية، وهو يرى أن الأفق أمامه لانتخابات 2020 ليس مفتوحًا، وفخشوا بالمخاوف وبذور الانقسام، وحفيف الحرب الأهلية، فسيواجه كل ذلك بالعناد الفارغ فهو يعرف انه اذا لم يكن هكذا فلن يكون دونالد ترامب.
بالطبع كل هذه المخاوف، والعناصر المعقدة في المشهد السياسي الإسرائيلي والأميركي، تتغذى من رافعة أساسية، وهو الموقف الفلسطيني، موقف شعب يؤمن بقيادته القوية بالمثلث المقدس الذي تمتلكه، قوة الحق، قوة المعرفة والوعي، وقوة التجربة المستمرة، فنحن بناء على ذلك، أهل الصبر حين يأتي أوانه، وأهل الإبداع حين يجب ان ينبثق، وصانعو القيامات حين لا يكون بد من وجودها، ونحن نعرف ونثق اننا جزء نبض العالم الذي نعيش فيه بكل معادلاته السهلة والمعقدة.
لقد آمن دونالد ترامب بسقوط ورشة البحرين، وبسقوط صفقة القرن، الفرضيات التي قامت عليها صفقة القرن وورشة البحرين كانت زائفة وهابطة، والآن دونالد ترامب يفكر وحده، هل الوقت مناسب لإعادة الحديث عنهما قبل انتخابات 2020؟ الانتخابات التي تزداد سخونة، وتنجلي خلالها اصطفافات جديدة، ونحن في القلب بصفة مباشرة أو على طريق الهاجس، ومن سياقاتنا القوية أن الأحزاب العربية في إسرائيل عادت لتعطي كل الثقة لمنظومة القائمة المشتركة، والأمل أن نضيف لهذه المنظومة روافع جديدة حينئذ سنشنف آذاننا بصراخ الرعب من نتنياهو، العرب يتدفقون العرب يتدفقون.