إذا أراد باحث ما معرفة طبيعة الحبل السري ما بين القدس وتونس فعليه قراءة قواميس ومعاجم معاني الانسانية والقومية والوطنية والعقلانية  والواقعية  السياسية ، ويزيد عليها الثقافة والابداع والمحبة والاخاء، أما الوفاء فنحن على استعداد لتزويده بهذا القاموس المكتوب بلغة فلسطينية خالصة.
كان الرئيس محمود عباس ابو مازن عظيما  كعادته في التعبير عن الوفاء الانساني، عندما نعى الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، وأعلن الحداد  وتنكيس الأعلام لثلاثة أيام.. لكن وصف رئيس فلسطين لرئيس تونس الباجي قايد السبسي  بالزعيم المناضل والأخ والصديق قد اعطى  للبروتوكول أبعادا لامتناهية، لا يستطيع تجسيدها الا رئيس انسان، حكيم، رئيس السلام.
لم يكن الرئيس السبسي- رحمه الله-  مجرد رئيس استلم الحكم وفق عملية ديمقراطية مشهودة، ولم يكن رئيسا لدولة عربية تجمعنا بها جغرافيا الوطن العربي وحسب، بل كان برهانا على حق الأمة العربية في وراثة الفكر السياسي الانساني التنويري، التحرري، والكيانية  الوطنية، والقومية الطاهرة من عوارض العصبية والتعصب.
الباجي قايد السبسي مناضل ورفيق درب لمؤسس الجمهورية التونسية الزعيم  الحبيب بورقيبة "رائد الواقعية السياسية في تاريخنا المعاصر" وفخرنا أنه وهو خليفة الحبيب نادى رئيسنا  بالحكيم، وبلقب ( بورقيبة فلسطين).
قد نحتاج الى صفحات وصفحات للكتابة عن تونس، فهذه البلاد تجربة خاصة ولنا مع زعمائها الفريدين في منهجهم السياسي ورؤاهم البعيدة المدى، المتميزين ببصيرة ثاقبة حكايات لنا فيها نصيب.
 لو قارنا بين رسالة موثقة للزعيم الحبيب بورقيبة بعثها للقيادة الفلسطينية في بيروت أثناء الحصار، بعد وقف اطلاق النار في الحرب الاسرائيلية  على لبنان وقوات الثورة الفلسطينية عام 1982 وبعد الحديث عن ترتيبات لخروج قوات الثورة من بيروت، وقارنا مضمونها مع كلام موثق أيضا نطقه وزير عربي نتحفظ على ذكر اسمه لعرف الجميع لماذا نقول لنا نصيب في تونس.
جاءت رسالة الزعيم الحبيب بورقيبة في لحظة تاريخية فارقة كانت محاولات الهيمنة على الكيانية السياسية الفلسطينية التي جسدتها منظمة التحرير الفلسطينية في ذروتها، وفي اشد لحظات الصراع مع المشروع الصهيوني حيث كانت أرض لبنان تشهد على أشرس حرب شنتها دولة الاحتلال اسرائيل على الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية كان هدفها  كما اتضح لاحقا تجريد الفلسطينيين ليس من سلاحهم  وارادتهم الثورية، وحسب بل من شخصيتهم الوطنية المتبلورة  حديثا، والغاء وطنهم المعنوي منظمة التحرير من الوجود  لكن هذه الرسالة من زعيم العقلانية والواقعية كان لها بالغ الأثر الى جانب ارادة  القيادة الفلسطينية وشعب الثورة في الاستمرار والانطلاق من جديد نحو فلسطين.
كتب الزعيم الحبيب  في رسالته: "نرحب بكل القيادات  الفلسطينية أياً كان لونها  أو عقيدتها أو سياستها لتقيم على أرضنا، أرض تونس  حيث مكان الجامعة العربية  وما دمنا بلد الجامعة  والفلسطينيون ليس لهم موقع  ولا أرض  فأرضنا أرضهم تحتضنهم، وقلوبنا ترعاهم  وأهلا وسهلا بهم".
أما الوزير العربي مستخدم منهج القومية وممتطي صهوتها فكان قد قال: "نتمنى ان تنشق الأرض وتبلعكم لأنكم سبب البلاء الذي وقع لهذه الأمة، وأن من يقول لكم عكس هذا الكلام  منافق دجال  فلا تصدقوه".. فهل كان أصدق من بورقيبة  في التعبير عن ثقافة  وعراقة هذه الأمة وتمسك المنتمين لها فعلا بمبادئهم وقيمهم؟!!.
ما تضامنت مع فلسطين، ولا كانت قيادتها مؤيدة لقرارات قيادتنا، ففلسطين كانت ومازالت قضية الشعب التونسي، تتبنى قيادته مايريده الشعب الفلسطيني وقيادته، حتى بامكاننا القول بأن مواقف تونس انعكاس وصدى لمواقف قيادة الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، هذا بالمختصر المفيد المنهج السياسي السائد، بحركة تبادلية مابين القواعد الشعبية والحزبية، ورأس الهرم السياسي في تونس.
نحن الفلسطينيين  معنيون أكثر من غيرنا  بمناخ الحرية في الدول العربية، ونعتبر اي انجاز اضافة نوعية على اسلحتنا في معركتنا مع المشروع  الاستعماري  الاستيطاني العنصري الصهيوني  القائم على نهج الاستعباد.
سعى السبسي لتثبيت الحريّة والديمقراطية وحريّة الرأي والتعبير والصحافة كخيارات استراتيجية لذا فقد سعى نحو تنقية منظومة القوانين الجزائية التونسية من النصوص والمواد السالبة للحرية.
رفض السبسي الدخول مع  (بعض متطرف) في سباق الاقصاء، وكان سباقا لتجسيد التعايش كسبيل وحيد لمنع المتربصين بتونس من تعميم الفوضى والاشتباك بين مكونات مجتمع الدولة وشرائحها الذي اصاب دولا عربية قريبة وبعيدة ايضا.
رأى السبسي العقلاني والواقعي المصالح الوطنية العليا لبلاده تونس فوق كل اعتبار، ويُشهَد بأنه  كان عاملا رئيسا لاستقرار وتوازن تونس بعد أحداث العام 2011، حيث بدأ العالم يقلق على مصير تونس بعد  صعود تيار حزب النهضة وتمكنه من مقاليد الحكم  وفي هذا السياق قال السبسي الذي يتمتع بحس الفكاهة ويضفي بعضها على مواقفه السياسية، حيث قال: "النداء والنهضة عبارة عن خطين متوازيين لا يلتقيان إلا بإذن الله.. وإذا التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله"
سنبقى نقول لنا في تونس  نصيب في انسانيتها وعروبتها  وثقافتها  ولنا عقلانية  قادتها نصيب.
لنا في عظماء تونس في زعيمها مؤسس جمهوريتها بورقيبة الحبيب، ولنا في خليفته الباجي القايد السبسي نصيب، كما كان في حياته، وفي مشهد ارتقاء روحه المطمئنة الى علياء السماء.
لنا في تونس شعب عربي أراد الحياة، فمنحنا منها ما نشاء، ولنا في تونس قادة  شهداء، فمابين القدس وتونس كما بين  القلب والدماغ.
بالأمس كان لنا في تونس  الباجي قايد السبسي التونسي الديمقراطي التقدمي  التنويري، كما كان لنا الزعيم الحبيب بيتنا المؤقت في زمن  السفر الى فلسطيننا.. يوم زودونا بالمحبة والحب والإخاء، ويوم عاهدناهم على الوفاء
اليوم وغدا سيبقى لنا في شعب تونس ألف سبسي والف الف حبيب.
لتونس المجد والخلود.. ولزعماء تونس في قلوبنا وذاكرتنا نصيب..
لروحك السلام  رئيس تونس الباجي قايد السبسي صديق رئيسنا الحكيم  ولشعب تونس التقدم والرقي والأمن والسلام.