بادر صلاح البردويل، عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" بطرح مبادرة، وفق توصيفه لما نشره على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأ بداية تشير لـمَن لا يعرف الرجل، أقلُّ ما يقال عنها، إنها بداية مقبولة، وتحمل من حيث الشكل نزوعًا إيجابيًّا، وفيها اهتمام بمزاج الشارع، وهيَّأ لمن يقرأ أنَّه خلع ثوب جماعة الإخوان المسلمين، حتى ارتقى إلى مستوى الحالة الوطنية.
لكنَّ البردويل، تراجع بسرعة البرق، وعاد إلى النبع الذي شرب منه، وترعرع به، وتخلَّى عن البعد الإيجابي، وكشف عن زيف ما ادَّعى، عندما طالب بالعودة لمناقشة الاتفاقيات المبرَمَة بين الحركَتين "فتح" و"حماس" بشكل أساسي، ثُمَّ بين "حماس" والكل الوطني. والسؤال أو الأسئلة، التي تطرح نفسها في ضوء ما أعلن عنه عضو المجلس التشريعي السابق، لماذا العودة لنقاش ما تمَّ الاتفاق عليه؟ ما هو السبب لذلك؟ وهل حصلت تغيرات في الواقع تفرض إعادة البحث فيما اتّفق عليه؟ أم أنَّ وراء الأكمة ما وراءها؟ وهل عند حركة "حماس" مثلاً تحفظ على ما وقَّعت عليه؟ وهل أُجبِرت سابقًا على اتفاقية أكتوبر ٢٠١٧، وما سبقها من اتفاقيات وإعلانات، أم أنّ التوقيع آنذاك، كان جزءًا من مناورة وألاعيب حركة "حماس"؟ وماذا تريد جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين من القيادة الشرعية؟ هل تريد منها الإقرار بولاية "حماس" على قطاع غزّة؟ وماذا تعني الشراكة بالنسبة لحركة الانقلاب؟ وهل مواجهة التحديات الإسرائيلية والأميركية وعنوانها الأساسي صفقة القرن تتطلَّب مواصلة ذات السياسة الإخوانية، وانتظار موافقة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الذي هو جزء لا يتجزأ من المؤامرة عمومًا والصفقة خصوصًا؟ وإذا كانت حركة "حماس" معنية جديًّا بتوحيد الصف الوطني، كما يدعي الدكتور البردويل، لماذا التلكؤ والتسويف وإضاعة الوقت؟ أم أنَّها مازالت تراهن على الهدنة ونتائجها؟ أو أنّها تنتظر حصّتها من الصفقة والورشة؟ وهل يعني ذلك أنّها أعلنت موقفًا سياسيًّا معارضًا للصفقة لتضليل الشارع الفلسطيني، وخشية من ردة الفعل الشعبية بعد انفضاح دورها وموقفها الحقيقي؟ ماذا تريد يا دكتور صلاح، أخبرنا دون لف أو دوران، أم أنّك وجماعتك لا تستطيعون الدخول للموضوعات بشكل مباشر، وتحتاجون إلى السير على الطرق الالتفافية، حتى تحين لحظة الانقضاض على "الغنيمة" الوهمية؟
في كلِّ الأحوال ما جاء في مدونة البردويل لا يحمل جديدًا، وليس أكثر من مناورة تافهة ومفضوحة، ومحاولة استهبال، واستغفال للمواطن وللقيادة الشرعية، وللقوى والفصائل الوطنية، وللأشقاء المصريين رعاة عملية المصالحة. لأنَّ مَن يريد المصالحة، والوحدة الوطنية، والحريص على مستقبل الشعب العربي الفلسطيني، يكون جاهزًا ومستعدًّا لتنفيذ ما تمَّ التوقيع عليه، ويعلن على الملأ شروعه بالتطبيق الفوري لما تمَّ الاتفاق عليه، ويدعو جميع القوى وخاصّةً حكومة الكل الوطني، كما يسميها رئيس الوزراء، الدكتور اشتية إلى استلام مهامها كاملة في محافظات الجنوب، تمهيدا لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ولإجراء الانتخابات البرلمانية، ومن ثم الرئاسية والمجلس الوطني، وتنفيذ باقي النقاط المتفق عليها في الجوانب الأمنية، ومنظمة التحرير، لا أن يتلكَّأ، ويحاول أن يتفذلك، ويلقي بأوهام، وبضاعة سرابية، بلا رصيد، ولا مصداقية، ولا حد ادنى من المعايير السياسية، أو حتى الأخلاقية.
كفى ترويجًا لبضاعة فاسدة، لم يعد الشارع الفلسطيني مستعدًّا للألاعيب الكاذبة. كفر الشعب بمنطق الإخوان المسلمين، وعلى التيار الإيجابي في حركة "حماس"، وهُم كثر، ويمثّلون الأغلبية إذا توحّدوا خلف رؤية وطنية خالصة، بعيدا عن خيار التنظيم الدولي للجماعة، أن ينتصر لوطنيته، وفلسطينيته، ولأهدافه التي نذر نفسه لها، ويقصي تجار السياسة والدين، والمستفيدين من نهب الشعب والحالة الانقلابية العبثية المرفوضة من الكل الوطني، ويمسك بيدَين ثابتَتين رأس القرار الوطني، ويعزل كل من مارس التجارة بالقضية والأهداف ووحدة الأرض والشعب والمصالح العليا للشعب العربي الفلسطيني. فهل يفعلها التيار الإيجابي الوطني، ويخرج على رأي أهل الفسق والرذيلة السياسية، ويعيد الاعتبار لوحدة الشعب بعد افتضاح مرامي وغايات أهل الانقلاب من جماعة الإخوان المسلمين المنافقين؟ القرار بيدكم، وعليكم الرهان.