ما زالت جريمة الولايات المتحدة القذرة ضد الشعب الياباني بإلقائها القنابل النووية على هيروشيما وناكازاكي في الحرب العالمية الثانية 1939/1945، ونتائجها التدميرية تلقي بظلال ثقيلة على البشرية ككل، وليس على الشعب الياباني فقط.
وما استحضار الجريمة الأميركية، ومحاولة استخلاص دروسها وعبرها رغبة في نكء الجراح، إنّما مرتبطة بما جاء في آخر إحصائية لمركز "بزنس إنسايدر" مطلع عام 2019 لعدد الرؤوس النووية المنتشرة في العالم، حيث أشارت إلى أنّ تسعة دول تمتلك الأسلحة النووية، وهي الولايات المتحدة الأميركية، روسيا الاتحادية، الصين، الهند، باكستان، فرنسا، بريطانيا، إسرائيل وكوريا الشمالية. وتمتلك هذه الدول 14200 رأس نووي، وحسب المركز فان دولة الاستعمار الإسرائيلية تمتلك 80 رأسًا نوويًّا. ولكن هناك تقديرات تشير إلى أنّها تملك وتختزن وتنشر 200 رأس نووي.
هذه الأسلحة بكل مسمياتها وتصنيفاتها تشكل خطرًا أمنيًّا على مستقبل البشرية، وتهديدًا للسلام والاستقرار في العالم، واستنزافًا لموارد وطاقات الشعوب والدول، لجهة أولاً إنتاجها، ثانيًا امتلاكها، ثالثًا نشرها، رابعًا تخزينها، خامسًا انتقال صناعتها لدول أخرى، سادسًا تداعياتها وانعكاساتها على شعوب الأرض.
وتزداد خطورة هذه الأسلحة مع كل يوم جديد خاصة في زمن التحولات الدراماتيكية، التي يشهدها العالم، ومع ازدياد التوتر، وسياسة التهديد، التي تلوح بها الولايات المتحدة الأميركية في وجه دول وشعوب الأرض الأخرى، المتعارضة والمهددة لسيطرتها على مقاليد الأمور في العالم، وأيضًا بغضها النظر عن دولة الاستعمار الإسرائيلية وسياستها النووية، وتحول وتمنع الوكالة الدولية للأسلحة النووية من القيام بدورها في مراقبة مفاعلاتها النووية، وآليات تخزينها، وحدود التزامها من عدمه مع المعايير الدولية، ممّا سمح لدولة الإرهاب المنظم من اعتبار نفسها فوق القانون الدولي.
في حين تلاحق الإدارات الأميركية المتعاقبة كوريا الشمالية وإيران على إنتاج أية رؤوس نووية جديدة، أو زيادة نسبة التخصيب، وتمنع دول العالم الثالث عمومًا، والدول العربية خصوصا من الاستخدام للمفاعلات النووية سلميا لغايات الاستثمار في مجالات الطاقة والإنتاج. هذه الازدواجية في المعايير تجاه دول العالم تعكس سياسة رعناء، ولا تستند لأية شرعية دولية، وتؤكد بلطجتها، وحماقتها، وتماهيها مع قوانين الغاب، لأنّها بحمايتها لدولة تمارس الاحتلال لأرض شعب آخر، وترفض خيار السلام وفق المعايير والقوانين والمواثيق الدولية، ومرجعيات السلام، وتنتج وتقتني الأسلحة النووية المهددة لحياة الإنسان بما في ذلك داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، إنما تدعم عن سابق تصميم وإصرار سياسة إنتاج الأسلحة النووية والهيدروجينية المهددة لأمن الكرة الأرضية.
لم يكن الحديث عن ازدواجية المعايير الأميركية من باب الموافقة، أو التغاضي عن إنتاج الأسلحة النووية في كوريا، أو إيران، أو أي دولة أخرى، بل لإظهار الوجه القبيح للولايات المتحدة، وعدم مصداقية شعاراتها وسياستها الإعلامية، التي تتحدث عن حقوق الإنسان، والديمقراطية والحرية، وتكشف أن إداراتها المتعاقبة غير مؤتمنة على حماية الشعب الأميركي نفسه، وتعمل على تأجيج الصراع في العالم، وتغذي النزعات العدوانية، وتشرع قانون الغاب، وتغمض عيونها عن دولة تمارس ابشع أشكال الإرهاب ضد شعب مكلوم ومنكوب منذ ما يزيد عن 70 عامًا، ليس هذا فحسب، بل وتدافع عنها في كل المحافل الأممية، وتشرع لها إنتاج الأسلحة النووية، مع أن مفاعلها في ديمونة بالنقب يعاني من عناصر خلل في بنيته القديمة، والبيئة المحيطة به، في الوقت الذي تلاحق الدول الأخرى.
في كل الأحوال على العالم دولا وشعوبا وخاصة أنصار السلام في العالم التأصيل لحملة عالمية لمواجهة الخطر الداهم من إنتاج واقتناء وتخزين الأسلحة النووية، والمناداة بضرورة تدمير كل الأسلحة النووية، والدعوة للاستثمار الإيجابي للطاقة النووية والهيدروجينية في خدمة البشرية وتطور شعوبها. لان مستقبل البشرية إذا ما استمر الحال على ما هو عليه معرض للخطر في كل لحظة، الأمر الذي يتطلب التصدي للقوى النووية العسكرية، وتخليص العالم من الأسلحة التدميرية، إلى عالم خال من الأسلحة النووية بكل مسمياتها وعناوينها وحجومها.