حتى لا يبقى الحديث عن فشل وموت ورشة المنامة الأميركية عائمًا، وغير محدَّد المعالم، تُملي الضرورة وضع النقاط على الحروف، حتى نخرج من حيّز التجريد والعموميات لنضع الإصبع على العوامل الملموسة، التي تؤكد هامشية وعبثية الورشة في مملكة البحرين، منها أولاً مقاطعة أقطاب ودول عالمية من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، بل غالبية دول العالم للدعوة الأميركية من حيث المبدأ، لأنّها تتناقض مع مرتكزات عملية التسوية السياسية، وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967. ثانيًا الرفض الفلسطيني الرسمي والشعبي القاطع والحاسم للورشة، واعتبارها عنوانًا لمواصلة عملية التآمر على الأهداف والحقوق والمصالح السياسية الوطنية الفلسطينية؛ ثالثا مقاطعة ما يزيد عن نصف الدول العربية للورشة، ورفض جزء أساسي من النظام الرسمي العربي خيار ومحددات الورشة، التي شاءت أميركا من خلالها قلب معادلة الصراع، وقلب أولويات مبادرة السلام العربية، التي تنكر لها جاريد كوشنير؛ رابعا خفض مستوى تمثيل الدول المشاركة في الورشة، خاصة الدول العربية، التي مثلها نواب أو وكلاء وزارات المالية، أو مستويات دنيا، ليست مقررة؛ خامسا اضطرار أميركا أن تطلب من دولة الاستعمار الإسرائيلية عدم المشاركة الرسمية في الورشة، واقتصار التمثيل على مستوى اقتصادي أمني إعلامي غير ذي شأن؛ سادسا اضطرار الولايات المتحدة لتغيير طابعها من مؤتمر دولي إلى ورشة محدودة، وهو ما يعني إذعانا، وإقرارا بفشلها، وهزيمة خيارها؛ سابعا حتى رزمة المشاريع، التي أشار لها صهر الرئيس الأميركي خاصة المشروع، الذي اشار له، وهو الواصل بين الضفة والقطاع، وضعت إسرائيل عليه "فيتو"، هو وغيره من المشاريع الأخرى، بتعبير آخر، هي مشاريع على الورق، ليس لها رصيد في الواقع؛ ثامنا والأهم أنّ ما أطلقه رئيس الطاقم الأميركي المعني بالملف الفلسطيني الإسرائيلي عن عملية التمويل لما سمي بـ"الازدهار لاقتصادي"، الذي تدنى إلى 50 مليار دولار، بعد أن كان قبل ذلك يصل إلى 80 مليارا، وفي مرات سابقة وصل لما يزيد عن 500 مليار دولار حتى وصل 780 مليارا، باتت غير مؤمنة نتيجة العجز في موازنات الدول الملقى عليها دفع الأتاوة الأميركية، وبالتالي الورشة وما حملته من مشاريع اقتصادية، لم تكن أكثر من حمل كاذب، ووهمي لا أساس له في الواقع سوى مواصلة عملية اغتصاب وانتهاك واستباحة الحقوق الوطنية الفلسطينية... إلخ.
وبقراءة موضوعية للورشة شكلا ومضمونا، بالنظر إلى مخرجاتها، وبالحملة الإعلامية الأميركية المغرضة والمجنونة ضد الشعب الفلسطيني وقيادته، يخلص المراقب إلى نتيجة علمية وبالوقائع الملموسة، أن الورشة فاشلة، وميتة، ولم تتمكن إدارة ترامب من تحقيق أبسط أهدافها، بل منيت بهزيمة ماحقة نتيجة الفيتو الفلسطيني، الذي قاده بشجاعة متميزة الرئيس محمود عباس.، وترك بصماته على كل المشهد في البحرين والعالم العربي والعالم ككل.
كما أن الجماهير العربية وقواها ونخبها السياسية والثقافية والاقتصادية قالت لا للورشة الأميركية، ولا للمشاركة العربية، ولا لصفقة القرن من خلال فعالياتها وأنشطتها، التي امتدت على مساحة الوطن العربي من المحيط إلى الخليج بما في ذلك داخل الدول المشاركة في ورشة العار، وأكدت الجماهير العربية انها مازالت تقف على قدم وساق إلى جانب أشقائهم في فلسطين، ويعتبرونها قضيتهم المركزية، ليس هذا فحسب، بل ان الشعارات السياسية التي رفعتها الجماهير في سماء العالم العربي، رفضت جملة وتفصيلا كل أشكال التطبيع مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، ورفضت حرف بوصلة الصراع في المنطقة والإقليم، وأكدت تمسكها بفلسطين التاريخية.
غير أنّ إدارة ترامب، ومن خلال القراءة العلمية لشخصية الرجل القابع في البيت الأبيض لن ترفع الراية، وستواصل تضييق الخناق على القيادة والشعب الفلسطيني لفرض الاستسلام عليها، ولكن هيهات أن يقبل أي من الفلسطينيين بدءا بالرئيس أبو مازن مرورا بكل أركان القيادة والفصائل والنخب السياسية والثقافية والاقتصادية أن يرفع راية الاستسلام، وسيدافع الفلسطينيون عن حقوقهم وثوابتهم أي كانت التضحيات والتحديات. بالمحصلة ورشة البحرين دفنت، كما ستدفن صفعة العصر، ومهزلته، وسيهزم ترامب ونتنياهو ومن لف لفهم من عرب وعجم، وسيكون مصير صفقتهم وورشتهم مزبلة التاريخ.
عوامل فشل الورشة
27-06-2019
مشاهدة: 193
عمر حلمي الغول
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها