هذا الشهر نيسان، تتفتَّح فيه ينابيع الذاكرة الفلسطينية، لتضعنا في صورة واقعنا الراهن بكل دقّة، وتحدّد أولوياتنا، وتحشدنا لأن نكون حيث يجب أن نكون، حيث وحدة شعبنا الفلسطيني، ووحدة النضال الفلسطيني، والإطارات الفلسطينية، والقانون الفلسطيني يجب أن يكون في المرتبة الأولى، فبقاء الانقسام ظلم لشعبنا وإهانة لكرامته، إذ كيف لشعب تعاديه أقوى قوى الدنيا ممثّلةً بالإدارة الأميركية في عهد ترامب، ودولة الاحتلال الإسرائيلي بقيادة نتنياهو، يخلقون ضدنا معايير للعداء أقذر من كل المعايير ونبقى منقسمين، وهم يغذّون هذا الانقسام على المكشوف ويتفاخرون به، ويغررون به أكثر وأكثر عبر صفقة القرن التي وصفها شعبنا بأنّها صفقة العار، وهم على حق، ينفّذونها على الأرض قبل إعلانها، حتى أصبح انتظارها مجرد وهم في وهم، مع أن ينابيع الذاكرة الفلسطينية التي تفتحت في هذا الشهر، قالت لنا بوضح يقيني، إنّنا شعب يستحق أن يكون كما يريد أن يكون، حرًّا وسيّدًا في أرضه المنزرع فيها، وهي أول أرض أشرق عليها التاريخ الإنساني.
نعم ذكرياتنا تغذينا نحو الأمل والصمود، والمقاومة والإنجاز، في البداية، ذكرى اغتيال قادتنا الثلاثة أبو يوسف النجار، وكمال ناصر، وكمال عدوان، فكانوا بعد اغتيالهم نورًا وفجرًا وملاحم تتلاحق فصولها، وأمثلة خالدة في حياتنا تعيد أجيالنا إنتاجها من جديد.
ثُمّ الذكرى الحادية والثلاثون لأمير الشهداء خليل الوزير "أبو جهاد" أول الرصاص وأول الحجارة، الذي كان يقول لنا "نحن الفلسطينيين لا وقت لدينا للبكاء، بل كل الوقت للاشتباك القادم"، والذي علَّمنا أنَّ المسافة يجب أن تكون قريبة جدًا بين عقولنا التي في رؤوسنا وبين رؤوس أصابعنا، ما نكتشفه بعقولنا تنفذه رؤوس أصابعنا، فالزمن الفلسطيني لا يجدي معه الاختلاف على الكلام.
وفي هذا الشهر جاءت ذكرى يوم الأسير وسط إبداع متجدّد هو إضراب الأسرى الذي عادت فيه الحركة الفلسطينية الأسيرة إلى الحضور الكامل وإلى الأولوية الأولى في حياتنا الوطنية، ثُمّ كان مسك الختام هذا الانتصار الشامل الذي تحقّق لشبيبتنا الفتحاوية، قائمة الشهيد ياسر عرفات، في كلِّ الجامعات الفلسطينية، تعزيزًا لديمقراطيتنا، وإعلانًا صاخبًا لحقيقتنا الفتحاوية، بأنَّنا نكون حيث يجب أن نكون، مؤمنين بشعبنا وبقدرته على تحمُّل المصاعب وإبداع المعجزات.
في هذه الأيام، يتفاخر نتنياهو بتشكيلة الحكومة للمرة الخامسة، حكومة اليمين المتطرّف، أو حكومة وحدة وطنية، رغم الهتافات فإنَّ الأسئلة صعبة جدًّا، وخاصةً أنّ نتنياهو يدَّعي أنّه جعل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجرد عنصر دعاية في حملته الانتخابية وكل طاقم إدارته الممعنين في أفكار العدوان ضد شعبنا وضد حقوقنا وضد مفردات قضيتنا.
فكيف ستكون المواجهة؟؟؟
نحن لا شيء من جانب العدو يفاجئنا، صنعنا معه اتفاق سلام طويل عريض، ولكنه أنهى كل التزاماته بهذا الاتفاق، وشعبه لحق به، يعني أنه ليس مستعدًا للسلام بعد، ليس مُهيّأً له، ما دام يسمع من هنا وهناك من يلهثون وراء الوهم الذي اسمه التهدئة، أو يقدمون أنفسهم كالذبائح من أجل التطبيع.
قيادتنا ورأس شرعيتنا الوطنية قدَّمت في قمة تونس رؤيتنا (الشاملة) وحدَّدت المسؤوليات، وأضاءت الأدوار، ويوم الأحد سيكون رئيسنا أبو مازن حاضرًا في الجامعة العربية في القاهرة خلال اجتماع وزراء الخارجية، المفروض أنَّهم– أي وزراء الخارجية– هُم مسؤولو التنفيذ، ماذا يجب أن يقول العرب كأشقاء، كشركاء في المصير، كجنود لرد الخطر العدواني المستهتر؟؟؟ لن ننتظر صفقة القرن حتى تعلن، فكيف ننتظر ونحن نراها تنفذ أمامنا، من بومبيو حتى جاريد كوشنر، حتى جيسون غرينبلات، هم جنود التنفيذ، هم الذي تتلاحق خطواتهم، وتتعدّد وعودهم وخدعهم، هُم أحرار فيما يفعلون، فماذا نفعل نحن، هم يقولون لنا من هم أعداؤنا ومن هم أصدقاؤنا، فهل نستجيب لهم؟؟؟ فلسطين ليست عبئًا، بل فلسطين قضية أمة، هل الأمم توجد من دون قضايا كبيرة، نريد أن نسمع أجوبة على الأسئلة، نريد أن نسمع أن أمتنا مصرة على أن تكون حية ولها دور، وأنّها ترفض أن تموت.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها