ما بين ال14 و25 من آذار / مارس الحالي (2019) اطلقت ميليشيات حماس أربع صواريخ على تل أبيب، وفي المرتين أعلنت حركة الإنقلاب الأسود، ان عملية الإطلاق تمت بالخطأ. وكل من له صلة بالعلم العسكري، حتى لو كان مبتدءا يعلم ان أية عملية إطلاق وفي مختلف الظروف والأحوال الجوية، والطبيعية والحربية تحتاج إلى أكثر من عامل، منها: أولا تجهيز الصواريخ على منصاتها؛ ثانيا إعداد وتحديد الأهداف المستهدفة؛ ثالثا تجهيز عملية الإطلاق بحيث تأخذ إتجاه الريح، والمسافة والزوايا المحددة للوصول للهدف المراد؛ رابعا أخذ الإحتياطات الأمنية الإفتراضية ما بعد عملية الإطلاق. بتعبير آخر، لا تتم عمليا الإطلاق بشكل إعتباطي، وفي الصواريخ عالية التصنيع والدقة نسبة الخطأ عادة تكون محدودة، بعكس صواريخ الدمى الكرتونية المتخلفة التصنيع، التي نسبة الخلل فيها عالية، وقد ترتد في دائرة الإطلاق، أو تتهاوي غير بعيدة عن نقطة الإطلاق، وتقتل مواطنين فلسطينيين، وحصل ذلك كثيرا في صواريخ حماس العبثية.
لكن الصواريخ، التي أطلقتها أجهزة حماس في المرتين لم تكن من الصواريخ البسيطة، بل هي صواريخ عالية التصنيع والدقة. وعليه فإن الإدعاء بوجود خلل فني، بات مضحكا وساذجا. ولم يعد ينطلي على عاقل، وليس على اي خبير عسكري. وإذا دققنا النظر في شرط إطلاق الصواريخ نلحظ الآتي: أولا تم إطلاق الصواريخ الأولى مساء يوم الخميس الموافق 14 آذار/ مارس الماضي، اي اول يوم لبدء حراك "بدنا نعيش .. حلوا عنا" لخلط الأوراق، والتعتيم على الحراك؛ ثانيا كان الوفد المصري موجودا في قطاع غزة لمتابعة تقريب وجهات النظر بين حكومة نتنياهو وحركة حماس بشأن التهدئة، ومسيرات العودة الأسبوعية، والإرباك الليلي، وتبادل الأسرى، مع حصول حماس على التهدئة المذلة، والسماح بدخول الأموال لإرصدتها؛ وزيادة كمية الكهرباء والغاز والسلع المسموح بدخولها للقطاع؛ ثالثا قبل ذلك تعزيز سلطتها على إمارة غزة كجزء من الإتفاق الأشمل الأميركي الإسرائيلي الأخواني.
أما الإطلاق فجر أمس ألأثنين الموافق 25 آذار/ مارس الحالي، فيتم في ظل الشرط التالي: أولا مازال الحراك الشعبي قائما، ولم ينتهِ، رغم تراجع منسوبه وزخمه الشعبي، والهدف هنا التغطية كليا عليه؛ ثانيا كان الوفد المصري في طريق عودته للقطاع لمتابعة مهمته السابقة؛ ثالثا محاولة إبتزاز حكومة نتنياهو وسط زحمة الحملة الإنتخابية لتحسين المكتسبات، لإعتقادها، ان إسرائيل الآن ليست جاهزة لعملية عسكرية كبيرة، وقد يكون التصعيد محسوبا، ومتفقا عليه، بغض النظر عن النتائج، التي يمكن ان تنجم عنه. ومن يعرف جيدا لعبة الأمم والدول والقوى، يستطيع إدراك حدود اللعبة بين القط والفأر الإسرائيلي الحمساوي؛ رابعا مع وصول نتنياهو لإميركا وعشية لقائه مع الرئيس ترامب، سعت لتذكيرهما، بأنها الطرف القوي، والقادر على ضبط، أو توتير إيقاع الجبهة، وبالتالي أرادت إرسال رسالة لهما لتقول، انها مستعدة لإداء مهمتها شرط إدماجها في اللعبة والمخطط الصهيوأميركي، اي صفقة القرن.
وللتوضيح أكثر بشأن الدور المصري، فإن كل من حماس وإسرائيل يعتقد، ان الطرف المصري، رغم ما يبديه في العلن من تجسير المسافة بين الصديقين اللدودين حماس وإسرائيل، غير أنهما يعتقدا ان مصر لا يركن إليها للعب هذا الدور، وهي طرف لا يؤمن جانبه من قبلهما، وبالتالي لا بد من قطع الطريق عليه، وإحلال قطر بديلا عنه، أو حتى بدون وسطاء لاحقا.
إذا إطلاق الصواريخ لم يكن بالخطأ، وقد يستهدف في سياق ما تقدم ايضا، إمكانية تصفية بعض القيادات المعطلة للخطة الحمساوية الإسرائيلية من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بالإضافة لتلميع صورة قيادة الإنقلاب، التي أفتضحت مؤخرا بشكل غير مسبوق في الأوساط الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية، وللتغطية على إعتراف ترامب بالسيادة افسرائيلية على الجولان، وكذلك لتحسين صورة نتنياهو، لإبرازه كبطل بعد سلسلة الفضائح، التي طالته، ومازالت تتكشف فضائح فساد جديدة. ومع ذلك، القيادة الشرعية تحركت فورا لوقف العدوان البربري الإسرائيلي، وبدأت الإتصالات مع كل القوى والدول وخاصة مصر، وبعض دول الإقليم والأقطاب الدولية، فضلا عن الأمم المتحدة. لإنها تعي تماما أن الخاسر الأبرز والثابت والأكبر هو شعبنا، ومشروعنا الوطني، وليس حركة الإنقلاب الأسود. وكون توم وجيري الإسرائيلي والحمساوي ومعلمهما الأميركي، يعملون جميعا على بلوغ هدف الصفقة المشؤومة على حساب مصالح وثوابت الشعب العربي الفلسطيني. وقادم الأيام كفيل بإعطاء الجواب الشافي على كل الفرضيات والإستنتاجات.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها