حركة "حماس" وصلت إلى مرحلة الاختناق من خلال الأوهام التي تركض خلفها، ومن خلال الخلل التأسيسي في وجودها، ومن خلال القبول بالوقوع علنًا في قبضة العدو الرئيس لشعبها وهو الاحتلال الإسرائيلي الذي أدَّت معه منذ البدايات لعبة السقوط والاستدراج بدون أن تضع لنفسها أي نوعٍ من الضوابط، وبدون أن تصنع حدودًا – أيّ حدود- لـمَن يريد استخدامها، وبالتالي فقد وصلت إلى مرحلة خطيرة جدًّا، من خلال التناقضات الكبيرة مع نفسها، ومع شعبها، أكبر عدو لنفسها، وعندما يصل جسم سياسي مهما كان العنوان الديني الذي يسير به إلى هذا المستوى، فإنَّه يصل إلى استحالة الإنقاذ، استحالة الإنقاذ مطلقًا، فستذهب لغيها وتختنق ولا تجد من ينقذها بجرعة من الهواء، لأنَّها مثل تنظيمها الأم (الإخوان المسلمون) أُوجِدَت لتفشل وتهزم وتموت فلن تجد مَن يتبرَّع لها بهواء الحياة.
نحن فلسطينيًّا نخوض معركة قاسية جدًّا مع الاحتلال الإسرائيلي، ومع الإدارة الأميركية في البيت الأبيض، معركة عنوانها صفقة القرن، وهدفنا العادل الذي لا بديل عنه هو إسقاطها كاملة، وهي على كل حال صفقة مخجلة وظالمة وغبية، ولا تحمل في طيّاتها أيّ أُسُس للحوار أو النجاح، خاصةً بعد أن نجح نتنياهو في استغلال ترامب إلى الحد الأقصى وحوَّله إلى (عصف مأكول) لا إرادة له سوى الضجيج الفاشل، حين أخذ نتنياهو من ترامب المبادرة بأن ينفِّذ هذه الصفقة على طريقته الصهيونية، فانتقى نتنياهو ما يريد، بأن يأخذ القدس، وأن يواصل الاستيطان، وأن يتحالف مع الإرهاب اليهودي بمجموعاته القديمة والجديدة، وأن يعيش مظاهر النجاح عبر مظاهر التطبيع المجاني، وأن يجعل الشعب الإسرائيلي كلّه متورّطًا معه في المعادلة السوداء بما فيها الإعدامات اليومية للفلسطينيين التي وصل بعضها إلى ما يمكن تسميته بعشق الجريمة المجنون، مثل قتل الفتى محمد أبو خضير بعد ملء جوفه بالبنزين وإشعال النار فيه، وإحراق عائلة دوابشة، ومنع أي أحد على الإطلاق من محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وقيام نتنياهو بالتظاهر مع المتظاهرين الإسرائيليين ضد حكم المحكمة الإسرائيلية بسجن الجندي الإسرائيلي ازاريا الذي قتل الشاب عبد الفتاح الشريف بالرصاص متعمّدًا وهو في النزع الأخير، بحجة أن الحكم على الجندي ازاريا بسجنه ثمانية عشر شهرًا، هو حكم ثقيل وظالم.
في مؤتمر وارسو، قاطعت الشرعية هذا المؤتمر، فكان نصيبه الفشل العام، نتنياهو أخذ ما يريد من صفقة القرن، وبومبيو وزير الخارجية تحوّل إلى رجل دعاية فاشل لصالح نتنياهو حيث اعتبر وجود بعض وزراء الخارجية العرب مع نتنياهو في وارسو انتصارًا تاريخيًّا، ولكن المؤتمر لم ينجح.
وعاد الجميع إلى نقطة الصفر، وتوتَّرت العلاقة بين وارسو وتل أبيب والمطبِّعون المجانيون ما زالوا يسألون أنفسهم، لماذا ذهبنا؟ يا للحزن إنَّهم لا يعرفون لماذا ذهبوا!!!!
في هذه الأثناء "حماس" مع الشيطان نفسه ضد شعبها الفلسطيني، وضد الشرعية الفلسطينية التي كانت قد حمت "حماس" من تهمة الإرهاب التي كانت أميركا تعدها لها، ولكنَّها ظلَّت تعرض نفسها للاستخدام، من قِبَل (إسرائيل)، ومن قِبَل أي شيطان راغب باستخدامها، بل إنَّها أقنعت نفسها وحاولت أن تقنع التابعين لها بأنَّ (إسرائيل) تنقل لها شنط وحقائب الأموال هنا وهناك لكي تستخدمها في مقاومة (إسرائيل).
ما رأيكم في هذا اللغز؟ وبالتالي فإنَّ "حماس" وصلت إلى الفراغ الكامل، الموت الكامل، فلا أحد مجبر على أن يُخطئ ويعتقد أنَّها صالحة لأن تعود وتكون جزءًا من المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني، هي في النصف الآخر والمعادي، وسيغلق عليها، سوف تعدم نفسها بنفسها، لأنَّ مَن يصل إلى هذه الدرجة من العداوة مع شعبنا فليس أمامه سوى السقوط والموت.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها