ما أقصده هنا مربَّع التفاهم والتلاقي بالأفكار ذاتها، والحسابات ذاتها، لأن في ذلك خطراً على أهدافِك وانتمائك. وأما إذا كان هذا التواجد المشترك في مربع واحدٍ ممراً إجبارياً أي كجزء من الصراع المتواصل، والمعقَّد، فهذا موضوع مختلف. فعندما يجنِّدُ الإعلام الإسرائيلي والصهيوني كلَّ وسائله وأدواته للتحريض على الرئيس أبو مازن، واتهامه بالإرهاب، ونشر الملصقات صوراً وعبارات للإساءة لرئيس دولة فلسطين، رئيس "م.ت.ف" الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وعندما يخرج علينا الصهيوني جلعاد أردان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، ويدعو الحكومة الإسرائيلية إلى منع الرئيس محمود عباس من العودة إلى أراضي السلطة، بعد مغادرته لها، وعندما تُعطى التعليمات للمستوطنين وهم من حثالة المجتمعات الغربية، وجاؤوا إلى أرض فلسطين من أجل استيطانها، واقتلاع أهلها الفلسطينيين، الموجودين فيها وعليها منذ خمسة آلاف سنة، والتعليمات لهم كانت من حكومة نتنياهو بإلصاق لوحات، وصُورٍ كبيرة تسيء إلى شخص الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وتحملُ عبارات الاتهام بالإرهاب، والدعوة إلى قتله.
هذه الدعوة إلى قتل الرئيس الشرعي للشعب الفلسطيني، للتخلُّص من القائد الذي يقف بوجه الولايات المتحدة، والكيان الصهيوني متحدياً، لهم ولمشاريعهم التدميرية، هي نفسها الدعوة التي أطلقها شارون لقتل الرمز ياسر عرفات، وقَصْف مقر إقامته هناك في مبنى المقاطعة، حتى وصلت الجرافات العملاقة إلى نافذة غرفته التي لم يغادرها، ورفض الاستسلام هو ومرافقوه من القيادات، وتراجع شارون مدحوراً أمام رمزية ياسر عرفات، فهو قائد ورئيس الشعب الفلسطيني، وهو المنتَخَبُ من شعبه بحضور اللجان الانتخابية من مختلف دول العالم.
لكنَّ الكيان الصهيوني عندما عجز عن قتله، لجأ إلى العملاء والجواسيس الصهاينة بغض النظر عن لغتهم، أو انتمائهم، أو دينهم للوصول إلى ذلك الأسد المتمترس في عرينه، والذي رفض الاستسلام وقَبِل التحدي، إلى أن وافتهُ المنيةُ مسموماً على أيدي الجبناء والعملاء.
واليوم العدو الصهيوني المتمثِّل بنتنياهو وحكومته العنصرية، والمدعومة حتى النخاع بكل عوامل القوة الأميركية والصهيونية العالمية، ويجدون بأنَّ صفقةَ قرنِهم المجبولة بدماء شعوبنا العربية، وآلام وعذابات ومعاناة شعبنا الفلسطيني، ولعنات مقدساتنا الإسلامية والمسيحية، والتي وقودها أجسادُ شهدائنا مجبولة برماد قرارات، ومعاهدات، ومؤسسات الشرعية الدولية، والتي وُضعت بعد الحرب العالمية الثانية.
واليوم، وأمام صمت الصامتين، ولا مبالاة أصحاب القرار، واستسلام أصحاب العهد والمواقف التاريخية، أمام جبروت ترامب الصهيوني، والذي حمل نتنياهو وحلفه على كتفيه، للدوس على الحقوق الوطنية التاريخية، وتصفية القضية الفلسطينية، وتمزيق منظمة التحرير الوطنية والجامعة لكل مكوناتها الجوهرية والسياسية، من أجل تضييع الحقوق الوطنية الفلسطينية التي تُجسِّد آمال الأجيال الفلسطينية، الحالمة بالعودة إلى الأرض المجبولة بعظام أجدادنا وآبائنا، ودماء شبابنا، وأهلنا، على طريق الكفاح الوطني الذي يتفجَّرُ غضباً، وعنفواناً، وإصراراً على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس العربية الإسلامية والمسيحية. فالشعب الفلسطيني يعاني، ويُقدم التضحيات، ويؤسَرُ أبناؤه في المعتقلات، وتُهدم بيوتُه، ويتشردُ الأهلُ، لكنهم لا يستسلمون، وكما هم متمسكون اليوم بكل صلابة، وقناعة، وإيمان بعروبة وفلسطينية الخان الأحمر، والقدس التاريخية، وكلَّ الضفة وقطاع غزة، وفلسطين التاريخية، كلُّها اليوم تشهدُ علينا، وتلتفُّ حولنا، والعالم ينتظرُ قرارنا، لأننا نحن بيتُ القصيد، والكلمةُ لنا، ونحن أسيادُ الموقف، وفلسطين أرضنا، والقدس كما قال رئيسنا ليست للبيع، وحقوقنا مقدسة.
وختاماً نؤكد بأن الرئيس محمود عباس، وكما كان الرمز ياسر عرفات طوال مسيرته، هو الضمانة الوطنية، والمتمسك بالقرار الفلسطيني المستقل، وهو العقبة الأساسية بوجه صفقة العصر، والاحتلال الصهيوني، والرئيس محمود عباس هو المنتَخَب من شعبه الفلسطيني، وهو يدخل كافة مقرات الأمم المتحدة، يحضر المؤتمرات الدولية، ويخاطب كلَّ شعوب الأرض بعنفوان فلسطيني مشهود.
إنَّ شرعية الرئيس أبو مازن هي الخنجر في قلب ترامب وصفقته، كما أن هذه الشرعية الفلسطينية الأصيلة الموروثة عن شرعية الرمز ياسر عرفات ثابتةٌ، لا تهزها عواصف الصهيونية، ولا المكائدُ التآمرية، ولا الأفخاخُ الخفية.
عهداً لشعبنا الذي لهُ علينا دينٌ كبير، بأن تبقى بوصلةُ صراعنا موجَّهة ضد الاحتلال الصهيوني ومَنْ والاهُ، واصطفَّ معهُ، وسنبقى الأحرصَ على وحدة شعبنا، لأن الرئيس محمود عباس شاءَ من شاء، وأبى من أبى، هو الرئيس الشرعي للشعب الفلسطيني، وهو الذي قال وما زال : لا لترامب، ولا للسياسة الأميركية. وهو الرئيس الشرعي الذي وقف في الأمم المتحدة، وخاطب العالم بجرأة، وهو الذي دافع عن حركة "حماس" في الجمعية العمومية عندما اتهمتها الولاياتُ المتحدة بالإرهاب، وأُسقط القرارُ الأميركي تحت أقدام الشّعب الفلسطيني، لأنه مهما كانت الخلافات فإنَّ الدَم لا يصيرُ ماءً. والمربع الفلسطيني يجب أن يبقى طاهراً نقياً لا ينبتُ فيه إلاَّ الخير، لأنه مربع الشهداء، والتضحيات، والمقدسات.
عضو المجلس الثوري
مسؤول الإعلام المركزي في لبنان
الحاج رفعت شناعة
2019/1/14
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها