المجد لفتح، في ذكرى انطلاقتها الرابعة والخمسين، وذكرى انطلاق الثورة الفلسطينية، ذكرى انطلاق القيامة الفلسطينية، من الموت إلى الحياة، من الغياب إلى الحضور، من الشفقة الذليلة، والعطف المنافق، والحزن الضعيف، إلى الاحترام الجليل، والمهابة المزينة بدماء الشهداء، من الخطب البلاغية المطولة المفجرة، إلى ترددات الرصاص القصير، وإضاءات الكلام القصير الصريح، وصرخة الحق المدوية.
هذه هي فتح، كان الفلسطينيون يحسون بها في دروب الخروج، والطرد القسري، والموت الذي يغير على أجسادهم وأرواحهم كالصقور الجارحة، عندما فوجئوا بأنه أصبح لهم إسم لا يحبونه ولكنه ألصق بهم عنوة، اللاجئون، دون أن يستوقفهم أحد ليعطيهم جرعة ماء تبل حلوقهم الناشفة المتشققة من قسوة العطش والخذلان والظلم، وفي تلك اللحظات، في تلك الأيام الأولى التي كان الفلسطينيون يتجرعون فيها كل أنواع الخذلان، والادعاءات الفارغة، والخيانات المجانية، والانحيازات السوداء، كان حتى البلهاء الأغبياء يصبحون محقين، هم يدعون أن هذا الشعب الفلسطيني قد حسم أمره نهائياً، إنتهى ولن تقوم له قائمة، الكبار الذين هدمتهم النكبة مثل بيوت قديمة يهدمها الزلزال يموتون، وصغارهم من شدة العذاب والتزوير ينسون، وتطمس القضية إلى الأبد.
في تلك اللحظات الخارقة مثل وجه الله، وجدت فتح، هاجساً، نداء سرياً، وعداً صامتاً يفوق مأساوية اللحظة الراهنة، وسؤالاً خفياً يتسربل مع الليل إذا سجى، ومع التيار إذا تجلى، ومع الأقدام النازفة في طريق المنفى، ومع تشنجات البكاء الصامت لهؤلاء الذين أصبحوا غرباء، يا أيها الغرباء، ماذا تريدون أن تكونوا؟؟؟ فكان جواباً شاملاً دون صوت، نريد أن نكون فلسطينيين، نقسم أن نظل فلسطينيين، ومن هول الفاجعة جاءت فتح، الانتشار الواسع مثل مساحة التمزق جعل الوعد كبيراً، وجعل الوطنية الفلسطينية تجسد نفسها في انبثاقات جديدة، تلك هي حركة فتح، الوعد الذي قطعه كل فلسطيني وهو وحده في طريق الآلام، وحتى عندما تأسست فتح من خليتها الأولى، وانطلق الأعضاء المؤسسون إلى أقرب مخيم وإلى أبعد بلد من بلاد العالم، يبشرون بصوت خافت، كانوا يفاجئون بوهج ساطع مثل البرق، هؤلاء الذين يلتقونهم في أقرب مكان أو أبعد مكان، لديهم نفس الأسئلة، لديهم نفس انبثاقات الجرح، لديهم نفس الدمع المتجمد، والبكاء الصامت، والأمل العميق، ذلك أن فتح التي ولدت في زمن دكتاتورية الآيديولوجيات، أخوان مسلمون، يساريون، قوميون، كان هؤلاء المنتمون إلى جوقات الآيديولوجيا متفقين على شيء واحد، فلسطين ثانياً وليس أولاً، فجاءت فتح لتقول بما يشبه القسم، لا... فلسطين أولاً، وبعدها الطوفان.
لك المجد يا فتح، بدأ اسمك في البدايات كأجمل سر، وأجمل وعد، وأقوى قسم، بدأ اسمك هو صدفة الأعماق التي تحمي اللؤلؤة المقدسة التي اسمها فلسطين، هذا هو عهدك، بأن تكون فلسطين مزروعة في أرض فلسطين، دولة حرة مستقلة، وشعباً صانعاً للحياة، ونظاماً يقوم على أقوى الأركان، وقدراً يفيض على العالم بالسلام.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها