شَهِدَت نهاية الأسبوع الماضي عملية تصعيد على جبهة محافظات الجنوب، وأبلغت حركة "حماس" ومن معها من القوى عدم التزامها بالتهدئة قبل رفع الحصار، وتقديم (إسرائيل) الاستعمارية بعض التسهيلات. كما نشرت بعض المواقع الإخبارية من قطاع غزة السبت الماضي (27-10-2018)، أنَّ يحيى السنوار أرسل رسالة عبر الأشقاء المصريين لـ(إسرائيل)، إن لم ترسل المنحة القطرية0- أي الـ15 مليون دولار أميركي- قبل يوم الخميس المقبل، فإنَّه سيواصل التصعيد!

هكذا تكون الصورة اتّضحت للقارئ الموضوعي، وبات ثمن التصعيد المفتعَل بائنًا، الذي تستهدف من ورائه حركة "حماس" تحقيق أكثر من هدف نفعي وفئوي ضيق، تتمثَّل في الآتي:

أولاً- الإسراع في إرسال المنحة المالية القطرية

ثانيًا- تسهيلات شكلية، وليس رفع الحصار الإسرائيلي الظالم كليًّا

ثالثا- المحافظة على سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة، وتعزيز الإمارة

رابعًا- التهدئة مقابل التهدئة

خامسًا- التساوق مع صفقة القرن الأميركية

سادسًا- محاولة التأثير السلبي على مخرجات دورة المجلس المركزي للمنظمة الـ30

سابعًا- العمل سويا مع (إسرائيل) وأميركا لسحب البساط من تحت أقدام منظمة التحرير الفلسطينية، الممثِّل الشرعي والوحيد

ثامنًا- عدم الاستجابة مع دور الراعي المصري في تحقيق المصالحة، لا سيما أنَّ التصعيد جاء في لحظة مهمة من جهود الأشقاء في مصر لتجسير الهوة بين حركتَي "فتح" و"حماس" وبلوغ المصالحة الوطنية

تاسعًا- محاولات بعض القوى تسديد الفواتير للأجندات الإقليمية، وتأكيد التباين بينها وبين "حماس"

ومَن تابع تصريحات قيادة حكومة نتنياهو اليمينية المتطرّفة، بدءًا من رئيس الحكومة مرورًا بوزير الحرب والموت الإسرائيلي، ووزير التعليم وغيرهم، لاحظ أنَّهم جميعا حاولوا تبرير التصعيد، في المرة الأولى عندما سقط الصاروخان على بئر السبع، قالوا إنَّ السبب الرياح، ولا تقف وراء ذلك حركة "حماس". كما أنَّهم لجأوا للسياسة الذرائعية للتخفيف من عملية التحريض على قيادة الانقلاب الحمساوي، وكانت تصريحاتهم حمالة أوجه متناقضة بهدف تلميع حركة الانقلاب، وإعطائها الفرصة لتغطية اندفاعها نحو التساوق مع الخطة الإسرائيلية الأميركية والقطرية ومن لفَّ لفّهم، وطبعًا بالالتفاف على دور الراعي المصري، مع أنَّ قيادة "حماس" وممثِّليها يدعون، أنَّهم "حريصون" على دور الرعاية المصرية، لكنَّ الوقائع تشير بوضوح لعكس ذلك تمامًا.

ورغم كلِّ ما تقدَّم، فإنَّ قيادة منظمة التحرير ومعها اللجنة المركزية لحركة "فتح"، يؤكِّدون جميعًا حرصهم وتمسُّكهم بالوحدة الوطنية، وإصرارهم على إعطاء الفرصة كاملة للأشقاء المصريين لبلوغ هدف المصالحة وفقا للاتفاقات المبرمة في أيار 2011 وتشرين أول 2017. غير أنَّ ذلك لن يحول دون لجوء القيادة الشرعية لاتخاذ الإجراءات الضرورية لكبح انزلاق حركة "حماس" نحو التساوق مع المخطط الإسرائيلي وصفقة القرن الأميركية، ولحماية المشروع الوطني.

لكنَّ هذه الإجراءات لن تكون موجهة ضد موظفي السلطة الوطنية، ولا ضد أبناء الشعب الفلسطيني في محافظات الجنوب، لأنَّهم جزء أصيل من نسيج الشعب، وهم عنوان من عناوين الوطنية الفلسطينية، أضف إلى أنَّ منظمة التحرير، هي مرجعيتهم وممثلهم الشرعي والوحيد، وهي المسؤولة عنهم، وعن مستقبلهم، ومصيرهم من المصير العام للشعب الفلسطيني. وكما أكَّد الأخ الرئيس محمود عبّاس أكثر من مرّة: لن تكون دولة في غزة، ولن تكون دولة فلسطينية دون غزّة مهما كلّف الأمر من تضحيات.

ويخطئ مَن يعتقد أنَّ القيادة الفلسطينية يمكن أن تتخلّى عن أي فلسطيني وطني، وستعمل على تعزيز عوامل الوحدة لمواجهة التحديات الخطيرة، التي تواجهها القضية والأهداف الوطنية والنظام السياسي التعدّدي.

في كلِّ الأحوال الفرصة مازالت مفتوحة أمام حركة "حماس" لتتراجع عن سياستها الفئوية الضيقة، وتعود لجادة المصالحة والوحدة، وتقطع الطريق على مخطط نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرّفة، وعلى ترامب وصفقته المشؤومة. الكرة في مرمى قيادة "حماس" وليس أحد غيرها.